كتب اندريه مهاوج في” نداء الوطن”: غابت تعليقات المسؤولين الفرنسيين في باريس عن حركة الاتصالات والمواقف التي رافقت زيارات الموفدين إلى العاصمة اللبنانية خلال الأسبوع الماضي ولكن غياب التعليق الرسمي لا يعني انصراف الاهتمام الفرنسي عن الملف اللبناني ومتابعة تطوّر الأوضاع خصوصًا في الجنوب لناحية تنفيذ وقف إطلاق النار ووضع قوات اليونيفيل كما قال أحد مساعدي الناطق باسم الخارجية.
وفي هذا الإطار، فإن الاتصالات لم تنقطع بين المسؤولين الفرنسيين ونظرائهم الأميركيين والسعوديين الذين يتولّون معالجة الملف اللبناني. وعلم أن التحرك الدبلوماسي الفرنسي قد يعود إلى الواجهة في الفترة المقبلة من أجل متابعة تأمين الاستقرار الأمني والمساعدات للجيش. وإلى أن تتبلور نتيجة التحرّكات والمبادرات العربية والدولية التي رافقت استعداد لبنان للتفاوض مع إسرائيل ضمن أطر محدّدة، تبدو الرسائل الأميركية إلى لبنان أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. فالمبعوث الأميركي توم برّاك لم يُخفِ انزعاجه من بطء الحكومة اللبنانية في تنفيذ التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، ولا من تردّدها في ترجمة شعار “الدولة الواحدة” إلى خطوات عملية. حين قال إن “لبنان دولة فاشلة”، لم يكن يقصد الإهانة بقدر ما كان يُعلن تشخيصًا سياسيًا صريحًا: أن الدولة اللبنانية، بكل من يتولّى مسؤولية الحكم فيها، لا تزال عاجزة عن استعادة قرارها السيادي الكامل. وفي قراءة لما بين السطور، بدا المبعوث الأميركي أكثر واقعية من المتشدّدين في واشنطن أو تل أبيب. فهو يدرك أن نزع سلاح “حزب اللّه” بالقوة مستحيل من دون إشعال حرب أهلية. تحذير برّاك ليس إنذارًا بحرب، بل إنذارًا بسحب الغطاء. فالعالم لن يحمي دولة تتردّد في حماية نفسها، ولن يدافع عن حكومة تُبقي جزءًا من سيادتها معلّقًا على إرادة طرف داخلي مسلّح.
الوقت، كما قال برّاك، ليس في صالح لبنان. وما لم يُحسَم ملف السلاح سريعًا برؤية وطنية شجاعة، فإن لبنان قد يجد نفسه، مرة أخرى، دولة تبحث عن نفسها في مرآة الآخرين.
وكتبت امل شموني في” نداء الوطن”: أعربت مصادر أميركية مقربة من البيت الأبيض بشكل متزايد عن استيائها من تردد لبنان بشأن نزع سلاح “حزب الله” بالكامل، رغم إدراك بيروت أن “الحزب” لا يقوّض سيادة الدولة فحسب، بل يشكل أيضًا تحديًا كبيرًا لاستقرار المنطقة ككل، وبالتالي يُعقد مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتضيف هذه المصادر أن واشنطن تعمل بجد على مساعدة لبنان ليصبح “a normal country”. وتؤكد واشنطن أن القدرات العسكرية لـ “حزب الله” هي التي تُضعف يوميًا شرعية الحكومة اللبنانية، وهو ما يثير قلقًا بالغًا، خصوصًا وأن رفض “الحزب” نزع سلاحه يُعزز الانطباع السائد بأن الدولة ضعيفة وعاجزة وتسعى إلى طلب التدخل الخارجي لحمايتها من التهديدات الخارجية والداخلية.
يبدو، بحسب مصادر في الخارجية الأميركية، أن واشنطن ستلجأ إلى تصعيد ضغطها على لبنان من خلال ربط المساعدات العسكرية بالتقدم الملموس في نزع سلاح “حزب الله” والامتثال للأهداف الأميركية.
ومن المتوقع أن يشتد هذا الضغط مع الزيارة المرتقبة لسيباستيان غوركا، نائب مساعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمستشار الأول لمكافحة الإرهاب. وستعزز مهمة غوركا في لبنان، التي وصفها بأنها “بمثابة الإنذار الأخير”، مطالب واشنطن باتخاذ إجراءات ملموسة من السلطات اللبنانية للقضاء على ترسانة “حزب الله”، وضبط جميع الأسلحة تحت السلطة الحصرية للدولة. ومن المتوقع أن يُجري غوركا، خلال زيارته، محادثات مباشرة مع الرئيس عون، بالإضافة إلى كبار المسؤولين اللبنانيين، توضح توقعات الولايات المتحدة بشأن عملية نزع السلاح. وقد ينتقد غوركا علنًا أي تأخير في اتخاذ الإجراءات، ويحث القادة اللبنانيين على مواءمة خطابهم مع نتائج ملموسة، في انعكاس لـ “تزايد الإحباط الأميركي من نهج لبنان الحذر والمُتجنب للمخاطرة”. وتشير مصادر في البنتاغون إلى أن الجيش اللبناني يبدو “مرتبكًا” وهو يحاول تنفيذ خطته لنزع السلاح غير الشرعي في ظل رقابة دولية مكثفة. فعلى الرغم من بدء عمليات نزع السلاح جنوبي الليطاني، إلا أن تفكيك “الميليشيا” على كامل لبنان لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا أمامه. وفيما يؤكد دبلوماسيون أميركيون أن تردد لبنان المستمر في مواجهة نزع السلاح غير الشرعي يُعرّض المساعدات العسكرية والاقتصادية الحيوية، بالإضافة إلى العلاقات الدبلوماسية الأوسع، للخطر، ومع تحوّل الأسلوب الكلامي من التشجيع الهادئ إلى التحذيرات الحازمة، يتزايد الإجماع بين صانعي السياسات الأميركيين على ضرورة زيادة الضغط لإجبار السلطات اللبنانية على التحرك. ومن المتوقع أن “تُعمّق” زيارة غوركا هذه المعضلة خصوصًا وأن زيارته ستُعزز الرسائل الصادرة عن المسؤولين الأميركيين بأن وقت التأجيل والمناورات الكلامية قد انتهى