في السنوات الأخيرة، ظهرت ما يُسمّى بـ التربية الحديثة أو “التربية الحرّة”، التي تدعو إلى إعطاء الطفل حرية مطلقة في كل ما يريد، تحت شعار “تنمية الإبداع والاستقلالية”. ورغم أن العنوان يبدو براّقاً، إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً: إنها مقاربة تفتقر إلى الأسس العلمية، وقد أثبتت التجارب أن نتائجها على الأطفال والمجتمع خطيرة وسلبية.
واحدة من أبرز مشاكل هذه التربية أنها تقوم على إلغاء الحدود بين الطفل والأهل. فلا قواعد، ولا نظام يومي، ولا عقاب تربوي عند الخطأ. والنتيجة؟ طفل يعتقد أن العالم يتمحور حوله فقط، ويصعب عليه لاحقاً تقبّل قوانين المدرسة أو المجتمع.
الدراسات النفسية الحديثة تشير إلى أن التربية بلا ضوابط تؤدي إلى:
- ضعف القدرة على تحمل المسؤولية.
- زيادة معدلات القلق والاكتئاب عند الأطفال.
- صعوبة في تكوين شخصية قيادية متوازنة.
فالطفل الذي ينشأ في بيئة بلا قواعد واضحة، يكبر ليصبح شخصاً مشتتاً، غير قادر على مواجهة التحديات الحقيقية.
من مساوئ هذه التربية أيضاً أنها تهدم أساس العلاقة بين الأهل والأبناء. عندما يعتاد الطفل على رفض الأوامر وعدم احترام الكبار، يفقد تدريجياً مفهوم الطاعة المبنية على الاحترام، ما يخلق فجوة كبيرة بين الأجيال، ويهدد استقرار الأسرة.
الأمر لا يتوقف عند حدود البيت، بل يمتد ليطال المجتمع ككل. فالجيل الذي تربّى على الحرية المطلقة بلا مسؤولية، يصبح أكثر عرضة لـ:
- خرق القوانين.
- ضعف الانتماء الجماعي.
- فقدان قيم التضحية والتعاون.
وبالتالي، تتحول هذه التربية من مشروع “حرية” إلى مشروع تفكك اجتماعي يضعف البنية الأخلاقية للمجتمع.
المطلوب اليوم ليس العودة إلى القسوة، ولا الانغماس في الفوضى، بل اعتماد تربية متوازنة تقوم على:
- وضع حدود واضحة للسلوك.
- تعزيز القيم الأخلاقية كالاحترام والمسؤولية.
- فتح مساحة للحوار بين الأهل والأبناء.
- تشجيع الإبداع ضمن إطار من الانضباط.
بهذه الطريقة، نحمي أبناءنا من أخطاء التربية الحديثة التي أثبتت فشلها، ونصنع جيلاً متوازناً قادرًا على بناء المستقبل.
التربية الحديثة التي بلا أساس ليست سوى وهم تربوي يهدد القيم والأخلاق، ويصنع جيلاً هشّاً عاجزاً عن مواجهة تحديات الحياة. الطريق الصحيح يبدأ من العودة إلى التربية الأصيلة المتوازنة، التي تجمع بين الحرية المسؤولة والانضباط الإيجابي.