تبدو طريق جزين إلى البرلمان مفتوحة على سيناريوهات متعددة، تُحسم بتفاصيل إدارة الحملات وهدوء الخطاب وقدرة اللوائح على جمع حلفاء موثوق بهم. فكل نقطة قوة يحوزها طرفٌ تقابلها ورقة تأثير لدى آخر، ما يجعل النتيجة رهناً بميزانٍ دقيق بين العمل الخدماتي، الانضباط التفضيلي، والتقاط نبض الشارع. على هذا الأساس وحده يُقرأ المشهد الآتي: منافسةٌ محتدمة… لكن بلا أحكامٍ مُسبقة.
هذه الدائرة انقلبت فيها الموازين في 2022: فاز عبد الرحمن البزري وأسامة سعد في صيدا، فيما حصدت “القوات اللبنانية” مقعدين في جزين (سعيد الأسمر وغادة أيوب) وخرق شربل مسعد الماروني “لائحة السلطة”. خسر “التيار الوطني الحر” مقعديه في جزين، كما خسر إبراهيم عازار (مدعوم من بري) مقعده الماروني الذي كان قد انتزعه في 2018. هذه النتيجة جعلت جزين ساحة تنافس مسيحي–مسيحي أولاً، مع وزنٍ ترجيحي لناخبين قادرين على حسم الحواصل والمراتب التفضيلية، هذا عدا عن نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة التي يتم البناء عليها بشكل كبير، حيث أن كل طرف راكم قوته بناء على الاستحقاقات الاخيرة.
مصادر في “القوات اللبنانية” أكدت عبر “لبنان٢٤” أن نتائج انتخابات ٢٠٢٢ في جزين أتت نتيجة المحاسبة، هذا عدا عن تأثير صوت الاغتراب، إلا أن ما هو لافت اليوم هي حركة كافة الأحزاب التي باتت على اقتناع أن المعركة هذا العام لا تشبه سابقاتها.
فبدءا من تحالف النائب السابق أمل ابو زيد وابراهيم عازار، لا ضيم بالقول أن هذا التحالف أثر على النقاط والحواصل، علما أنه على الرغم من تعويل الخصوم على أرقامهم السابقة، إلا أن ذلك لا يعني أن الأمور محسومة أبدا، على الرغم من وصف هذا التخالف بـ”الغريب”.
في السياق، قال النائب السابق زياد أسود خلال اتصال مع “لبنان24″ إن الامور اليوم اختلفت، قائلا:” حتى اليوم ما زلنا ندرس مزاج الناخبين، ففي حال شعرنا أنهم يريدون اصلاح وضعية انتخابية معينة سياسية من دون الدخول في زواريب الاحزاب في جزين فنحن سنكون جاهزين، لأن الناخبين تمكنوا خلال السنوات الأخيرة من دراسة وضع كل نائب وماذا قدم واين تقاعس، هذا عدا عن مستوى الوجود والحضور والخدمات”.
وأضاف أسود أن وضعه في هذه الانتخابات في حال قرر خوضها هو جيد، لكنه سيتأنى باتخاذ القرار لأن المطلوب ليس الموقع بل المنهج.
وأشار أسود إلى أن “التيار” في جزين هو “حالة فارغة” فهم اعتبروا أنه ولو تم اقصاء زياد أسود فإن القافلة ستستمر ولكن هذا الامر لم يتمكنوا من تحقيقه، ولا بد أن غياب وجود “التيار”على الارض منذ سقوطهم في الانتخابات الاخيرة خير دليل على ذلك، لافتا الى ان معركة “التيار” في جزين سخيفة، فهم لا يقودون معركة للناس أبدا.
في السياق، يبرز بدء “التيار” بتهيئة الارض، وعلى ما يبدو، تقول المصادر أن ما صدر ضد التيار “سنيًا” خلال الانتخابات السابقة، لن يتكرر هذا العام، بغض النظر عن موقف المنتسبين ل”التيار” من اعتماد هذا الخطاب من عدمه.
من جانبه، يقول النائب السابق أمل أبو زيد أن انتخابات ٢٠٢٦ تختلف عن سابقاتها، قائلا أن هناك مروحة خيارات كبيرة ل”التيار” في جزين وصيدا.
وأضاف خلال اتصال عبر “لبنان24” أن التحالفات التي يراها “التيار” من شأنها تسهيل الذهاب الى الانتخابات النيابية حيث سيعمل على استرداد المقاعد التي خسرها في الانتخابات السابقة.
وكشف أبو زيد أن هناك قبولا من قبل الاطراف السياسية الصيداوية للتعاون في الانتخابات بدءا من البيت الحريري وصولا الى النائب اسامة سعد والنائب عبد الرحمن البزري والجماعة الاسلامية، لافتا الى حصول اجتماعات ملخصها أن الموقف الواضح الذي صدر من صيدا خلال عام ٢٠٢٢ لن يتكرر في هذه الانتخابات.
في المحصّلة، تبدو طريق جزين إلى البرلمان مفتوحة على أكثر من سيناريو، يُحسم معظمها في التفاصيل الصغيرة لا في العناوين الكبرى. ثلاث ركائز ستقرّر المآلات: أولًا، هندسة التحالفات بين جزين وصيدا وما إذا كانت قادرة على إنتاج لوائح متماسكة لا تتسرّب منها الأصوات عند “التفضيلي”. ثانيًا، إدارة ماكينة الأرض بين نفوذ اتحاد البلديات وشبكات المدينة، ومن ينجح في تحويل “الخدمة اليومية” إلى ثقة انتخابية. ثالثًا، مزاج الناخبين تحت ضغط الاقتصاد والهجرة والملف الأمني، وما إذا كانت الرغبة في “الاستقرار” ستتقدّم على نزعة “المحاسبة”.
وإلى جانب ذلك، يبرز عامل مشاركة الاغتراب، والانفاق الانتخابي المنظّم، وقدرة الخطاب على خفض التوتّر بدل رفعه—فهذه كلها عناصر قادرة على قلب الحاصل في اللحظات الأخيرة.
بهذا المعنى، لا غالبَ مطلقًا في جزين، بل ميزان يتأرجح بين ورقتَي قوة متقابلتين ونوافذ خرق محتملة. من يقرأ الشارع بهدوء، يضبط لوائحه باكراً، ويُحسن توزيع التفضيليات، قد يخرج بمقعدٍ إضافي. أمّا من يراهن على الزخم وحده من دون إدارة دقيقة للحملة، فقد يجد نفسه أمام مفاجآت غير محسوبة. الحقيقة الأبسط والأقوى هنا: النتيجة رهنُ تفاصيل التنفيذ يومًا بيوم، وصندوقٍ لا يحب الضجيج بقدر ما يكافئ الدقّة.

