Categories: أخبار

العنف الأسري بين الثقافة والفقر.. جريمة لا تبررها الحاجة

انتشر منذ عدة ايام، على مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، فيديو لرجل يعنف زوجته بطريقة وحشية، وفي الإطار الاكثر دقة، اطفال (أطفاله من زوجته المعنفة) يبكون في زاوية من زوايا البيت، وينظرون بحرقة إلى ما يحدث أمامهم. ويبدو في المشهد طفلة ذات سنتين ربما، تحتضنها اختها الكبيرة وتغطي وجهها حتى لا ترى المشهد المؤسف والمرعب.

في الوصف الذي نُشر مع الفيديو يقولون إنه صوّر في احدى مناطق ضاحية بيروت الجنوبية، وهي تعتبر من المناطق الفقيرة حيث تجد ما يشبه أحزمة البؤس والأبنية متلاصقة. لكن اللافت ليس كل ما سبق، بل التعليقات التي كانت على المنشور، منهم من عتب عتبًا شديدًا على المصوّر الذي بقي صامدًا يتفرّج على حال هؤلاء الأطفال، ليصوّر مادة دسمة ل”السوشيال ميديا” يحصد من خلالها الإعجابات ويثير الجدل، ومنهم من اعتبر أن الفقر يولّد “النقار” ويؤدي إلى مشاكل يمكن وصفها بالمستعصية، والنتيجة عنف أسري.

في كل مرة يُطرح فيها ملف العنف الأسري، يوجَّه الاتهام سريعًا إلى الفقر. وكأن الحاجة المادية وحدها قادرة على تحويل الأزواج إلى جناة، والأمهات إلى ضحايا، والأطفال إلى شهود صامتين. لكن هل الفقر فعلاً السبب الجذري؟ أم أن العنف نتاج ثقافة وتربية وخلل نفسي واجتماعي أعمق من أي ظرف اقتصادي؟

تقول نغم هزيمة وهي متخصصة في علم اجتماع العائلة ومرشدة اجتماعية، أن العنف الأسري لا يرتبط حصراً بالفقر، بل هو سلوك عدواني متجذّر في الطبيعة الإنسانية، قد يتفاقم بفعل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. صحيح أن البيئات الفقيرة غالباً ما تعاني من ضعف في التعليم والثقافة، ما يزيد احتمالات العنف، لكنّ العنف لا يعني بالضرورة الضرب أو الإيذاء الجسدي، بل قد يتجلى في الصراخ والكلمات المسيئة فيكون عنفًا لفظيًا ومعنويًا.

وتشير هزيمة إلى أن من “يمارس العنف يكون غالباً قد تعرّض له في السابق، ويواجه ضغوطات حياتية أو خلافات زوجية، لكنه لا يلجأ عادة إلى متخصص لحل مشاكله، بل يعتبر الأمر ردّة فعل طبيعية أو عادة يومية”.

وتؤكد أن “العقوبات القانونية في لبنان تبقى غير كافية وغير مطبّقة بالشكل الصحيح، فيما يعيش الضحايا في خوف يمنعهم من التبليغ أو طلب المساعدة”.

القانون اللبناني، رغم تطوره النسبي في السنوات الأخيرة، لا يزال عاجزًا عن حماية جميع الضحايا، خصوصًا النساء اللواتي يعتمدن ماديًا على أزواجهن. كثيرات لا يبلّغن عن العنف خوفًا من خسارة المأوى أو الأطفال أو المعيشة. وهنا يظهر مجددًا دور الفقر كقيد، لا كسبب. وهنا تشير هزيمة إلى “ضرورة نشر الوعي حول آثار العنف وسبل الحماية القانونية، وتعريف النساء بالجمعيات والجهات القادرة على دعمهنّ ومرافقتهنّ في مسار الشكوى”.

العنف الأسري، ليس ظاهرة “طبقية”، بل إنسانية. يُمارس في القرى كما في المدن، في بيوت ميسورة كما في منازل فقيرة.
الاختلاف ليس في مستوى الدخل بل في مستوى الوعي، وفي مدى قدرة المجتمع على مواجهة أخطائه وتصحيحها.

قد يكون الفقر بابًا للتوتر، لكنه ليس طريقًا إلى العنف.
والعنف لا يبرَّر بحجة “الضغوط”، لأن كل ضربة أو إهانة تترك أثرًا لا يُشفى بالاعتذار أو المال.
المشكلة ليست في الجيب الفارغ بل في الوعي الغائب، والحل يبدأ من التربية، من المدارس، ومن الخطاب العام الذي يجب أن يعيد تعريف مفاهيم “الأسرة” و”القوة”.

المصدر: Lebanon24

News Desk

Share
Published by
News Desk

Recent Posts

وزير المالية لـ “عشرين 30”: نُقلّص اعتماد الوزارة على الكاش..ومن مصلحة الجميع أن نصل إلى اتفاق مع صندوق النقد

أكّد وزير المالية ياسين جابر أن "أكثرية القروض التي تم تمويلها هي من البنك الدولي،…

3 دقائق ago

لبنان والفرصة الاخيرة! (فيديو)

  View this post on Instagram       A post shared by Al Jadeed…

4 دقائق ago

تحذير من وزير المالية…ماذا أعلن اليوم؟

في مقابلة مع برنامج “عشرين 30” على قناة LBCI، أكد وزير المالية اللبناني ياسين جابر…

18 دقيقة ago

عن “قصف بيروت”.. كلام إسرائيليّ جديد وهذا ما كُشِف

نشرَ موقع "واللا" الإسرائيلي تقريراً جديداً تحدث فيه عما أسماها بـ"الحرب المُستقبلية بين إسرائيل وحزب…

22 دقيقة ago

اسرائيل للولايات المتحدة: الضربات على لبنان ستستمرّ

ونقلت القناة 15 العبرية، عن مسؤول إسرائيلي، قوله: "سنصل قريبًا إلى نقطة الحسم بشأن العملية…

35 دقيقة ago

محضر ضبط بحق مؤسسة مياه زحلة والبقاع! (شاهد الفيديو)

وثق رئيس بلدية شتورا ميشال مطران بشريط فيديو مخالفة فاضحة ارتكبتها مؤسسة مياه زحلة والبقاع،…

40 دقيقة ago