وحسب الارقام، سجلت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية أعلى مستوى لها منذ شباط، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى النمو السريع في أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية (23.9% مقابل 23.5% في آب)، والسلع والخدمات المتنوعة (27.6% مقابل 27.1%)، والإسكان والمرافق (18.3% مقابل 17.8%)، والملابس والأحذية (11% مقابل 9.1%)، والترفيه والتسلية والثقافة (9.5% مقابل 8.7%)، والنقل (5.8% مقابل 1.2%)، والصحة (4.9% مقابل 4.8%).
بعيدًا من الأرقام الشهرية، ترسم التقارير الدولية صورةً أكثر تركيبًا للاقتصاد. فـ”المرصد الاقتصادي للبنان” (ربيع 2025) لدى البنك الدولي يتوقع نموًا موجبًا هذا العام مدفوعًا بانتعاش نسبي في السياحة والاستهلاك إذا تسارع الإصلاح، لكنه يذكّر بأن أي تحسّن يبقى هشًّا من دون معالجة جذور الاختلالات، وهي إعادة هيكلة القطاع المالي، ضبط مالي تدريجي، وإصلاح قطاع الكهرباء.
في المسار نفسه، أنهى صندوق النقد الدولي مهمة في بيروت نهاية أيلول، حيث أكّد خلالها أن الأولوية باتت للمصرفيّة العامة (إعادة هيكلة البنوك وتوزيع الخسائر) ولصياغة موازنة 2026 على أسس أكثر صدقية.
على الضفة الاجتماعية، تتقاطع مؤشرات الأمن الغذائي مع خطّ الفقر المرتفع. تقديرات برنامج الغذاء العالمي تُشير إلى قرابة 1.2 مليون شخص باتوا في مستويات انعدامٍ غذائي حاد في منتصف 2025، ما يفسّر حساسية سلة الغذاء لأي تغيّر مفاجئ في اتجاه الاقتصاد أو كلفة الطاقة أو الرسوم. وتُذكّر موجزات “الإسكوا” الحديثة بأن تقليص الفقر المتعدّد الأبعاد في المنطقة، بما فيها لبنان، ما زال “مهمة غير منجزة” مع بطء الإصلاحات الاجتماعية.
الكهرباء تبقى “مفتاح الكلفة”. القرض الجديد بقيمة 250 مليون دولار من البنك الدولي المخصّص لتخفيف أزمة الكهرباء يوفّر متنفسًا فنّيًا وتمويليًا، لكنه لا يعفي من إصلاح التعرفة والجباية والحوكمة في مؤسسة كهرباء لبنان. من دون هذا الثالوث، ستبقى كلفة الطاقة مرتفعة وتُغذّي أسعار النقل والسلع والخدمات تباعًا.
عاملٌ آخر يضغط على الكتلة النقدية والقدرة الشرائية هو كلفة إعادة الإعمار بعد الحرب مع إسرائيل. تقديرٌ سابق للبنك الدولي لخسائر 2023–2024 قدّر الفاتورة الإجمالية بنحو 11 مليار دولار، وانكماشًا في الناتج عام 2024، ما يضيف أعباءً على المالية العامة وعلى الطلب والاستثمار الخاص حتى مع حلول وقف إطلاق النار. هذه الخلفية تجعل التعافي في 2025 هشًا وسريع التأثّر بالمسار السياسي والأمني.
إلى أين يتّجه التضخّم ؟
مصدر اقتصادي قال عبر “لبنان24” أنّ أول سيناريو يتوجب اتباعه هو “السيناريو الإصلاحي”. فإذا مضت الحكومة في إقرار القوانين اللازمة المتصلة بالمصارف، وإصلاح المالية العامة تدريجيًا وخفض الهدر، وربط تمويل الكهرباء بتحسين الجباية وتوفير التغذية، يمكن إبقاء التضخّم ضمن نطاقٍ مراهَن عليه أحاديّ الرقم في 2026، خصوصًا مع استقرارٍ موسمي في الغذاء والسياحة. هذا السيناريو يفترض استمرار التنسيق مع صندوق النقد وتحرّكًا ملموسًا في ملف الكهرباء.
أما السيناريو الثاني حسب المصدر فهو سيناريو المراوحة، إذ لفت إلى أنّ تأخُّر القرارات البنيوية سيعني تضخّمًا متذبذبًا مع “قفزات” عند أي تعديل لتعرفة أو ضريبة أو تراجع الحوالات المالية الخارجية.

