29 أكتوبر 2025, الأربعاء

المقاطعة تشلّ مجلس النواب.. كيف يردّ بري على رسالة المعارضة؟

Doc P 1435400 638973303285549923
لا جلسة تشريعية ولا نصاب. هذه هي المعادلة التي فرضتها قوى المعارضة على رئيس مجلس النواب نبيه بري، اعتراضًا على رفض إدراج بند قانون الانتخاب على جدول الأعمال، رغم المطالب المتكرّرة التي تجاهلها رئيس المجلس، كأنّه “الحاكم بأمره” وفق توصيف خصومه، فجاء تعطيل النصاب ليضع الأمور في نصابٍ مختلف: المعادلات تغيّرت، والمعارضة قادرة على فرض إيقاعها ولو من دون امتلاك “المفاتيح”.
 
هكذا، تحوّلت ساحة النجمة إلى صندوق رسائل، إن صحّ التعبير. المعارضة قالت كلمتها: قانون الانتخاب أولاً قبل أيّ تشريع، وإلا فالنصاب سلاحٌ مشروع. في المقابل، بدت لافتة البرودة التي طبعَت أداء بري، إذ تعمّد تسريب معلومات عبر المقرّبين والمحسوبين، مفادها أنه لم يضغط ميدانيًا لتأمين النصاب، في إشارة إلى رغبته في تحميل المقاطعين كلفة تعطيل بنود معيشية ومالية، مع إبقاء الباب مواربًا لتسوية لاحقة إذا نضجت.
 
وبين رسالة المعارضة من المقاطعة، ورسالة بري المضادّة، يبدو الثابت الوحيد أنّ البلد يقف على فوهة بركان، وسط مخاوف تبدو مشروعة من تبعات الانقسام العمودي الذي فاقمته الجلسة التشريعية المعطّلة، فضلاً عن الوضع الاقتصادي والمالي الهش، وكلّ ذلك في ظلّ تصعيد إسرائيلي لا يهدأ، ويفتح الباب على مخاطر توسّع المواجهة. وهنا يبرز السؤال: ما جدوى الكباش القائم، ومَنْ مصلحته شلّ المجلس اليوم؟
 
المقاطعة كأداة ضغط
 
في المبدأ، يمكن القول إنّ المعارضة تعاملت مع الجلسة التشريعية التي دعا إليها بري بوصفها نافذة لفرض ترتيب الأولويات، أو ربما فرصة نادرة لفرض أولوية قانون الانتخاب على سائر البنود، مستفيدةً من ميزان قوى نيابي يسمح لها بتطيير النصاب على خلفية هذا البند. بمعنى آخر، فإنّ المقاطعة هنا بمفهوم المعارضة لم تكن اعتراضًا شكليًا، بقدر ما مثّلت تكتيك ضغط، يربط أيّ تشريع بإدراج بند قانون الانتخاب على جدول الأعمال، قبل أيّ بند آخر.
 
بالنسبة إلى المعارضة، قانون الانتخاب هو البوابة لإعادة إنتاج السلطة على نحو يسمح بإدارة مختلفة للمرحلة. لذلك جاءت المقاطعة رسالة مزدوجة الأهداف، فالمعارضة أرادت من خلالها تثبيت أولوية القانون، ولا سيّما أن الإجراءات المرتبطة بمشروع القانون المعجّل المكرّر لا تحتمل مزيدًا من التأجيل؛ وفي الوقت نفسه نزع الغطاء عن تشريعات لا ترى فيها المعارضة سوى محاولة لتقطيع الوقت بلا مسار واضح.
 
بهذا المعنى، لم تُستخدم المقاطعة فقط لمنع تمرير بنودٍ من دون بحث قانون الانتخاب، بل أيضًا لتسجيل نقطة سياسية مفادها أن الأكثرية المتحركة قادرة على تعطيل النصاب حين تُهمَّش أولوياتها. وفي هذا السياق، برز استخدام العديد من أوساط المعارضة تعبير “كسر المنهجية” لا “كسر الجلسة”، في إشارة إلى أنّ الهدف تعديل طريقة إدارة التشريع لا التعطيل لذاته، مع تحميل الكلفة السياسية لمن يرفض إدراج بند الانتخاب أولًا.
 
كيف يقرأ بري ما جرى؟
 
على الضفة المقابلة، يقرأ بري اللحظة بمنطقٍ مؤسساتي وسياسي معًا. فالبرودة التي ظهرت في مقاربته، من دون تسجيل استنفار أو امتعاض، بدت مقصودة، سواء لجهة ترك العملية الديمقراطية تأخذ مجراها وعدم ممارسة ضغط استثنائي لتأمين النصاب، بما ينقل كرة المسؤولية إلى المقاطعين ويُظهِر أن إسقاط الجلسة عطّل عمليًا بنودًا اجتماعية ومالية، بينها ما يتصل بإعادة الإعمار والجنوب.
 
في المقابل، تردّ المعارضة على هذا الطرح بالتأكيد أن تمرير البنود دون حسم قانون الانتخاب هو تأجيل للمشكلة، وليس حلّاً لها بأيّ شكل من الأشكال، مشدّدة على أن فتح شهيّة التشريع من دون إغلاق ملف القانون سيُبقي الاستحقاقات رهينة الوقت. لكن بين الحجّتَين، يلوح خطرٌ معكوس لمقاربة بري، انطلاقًا من أنّ مثل هذا الخطاب يمكن أن يحوّل الشلل مع الوقت إلى أداة تفاوض قاسية في اقتصاد لا يحتمل المناورات الطويلة.
 
من هنا، تبرز الحاجة إلى مخرجٍ عملي للأزمة المستجدّة، يصرّ العارفون على وجوب أن يجمع بين الطرحين، بما يلبّي كل المطالب، ويستجيب أيضًا للهواجس. ووفق هؤلاء، فإنّ مثل هذا المخرج يمكن أن ينطلق من تثبيت إطارٍ زمني مُلزِم لبند قانون الانتخاب (جلسة محدّدة الموعد ومسودة واضحة للتصويت) في مقابل تحرير البنود الاجتماعية والمعيشية من أسر الاشتراط السياسي، لتمرير ما يتصل مباشرة بالمواطنين.
 
قد تكون المعارضة محقّة في اعتبار المقاطعة حقًا سياسيًا لتثبيت أولوية دستورية بحجم قانون الانتخاب، ولا سيما أنّ الغياب هو بحدّ ذاته “موقف”. وقد يكون بري محقًا في الدفاع عن حق إدارة الجلسات بمنهجية مؤسساتية، وهو ما كفله الدستور. لكن السؤال الحاسم ليس من يربح الجولة الإجرائية، بل كيف نمنع تحويل الانقسام إلى شللٍ دائم في لحظة لا تحتمل ترف الرسائل، فمن يملك الجواب العملي، لا النظري، على ذلك؟!

المصدر: Lebanon24