13 نوفمبر 2025, الخميس

بهاء الحريري: لا قيامة للبنان إلا بعودة الدولة إلى دورها الكامل والسيادي والعادل

Doc P 1441713 638986312066560440
كتب بهاء الحريري على منصة اكس:” منذ أكثر من قرنٍ من الزمن، وُلِد الكيان اللبناني من رحم التطلّع إلى الحرية والكرامة والسيادة. فمنذ قيام مجلس المندوبين في عشرينات القرن الماضي إبّان الانتداب الفرنسي، بدأ اللبنانيون يخطّون أولى صفحات تجربتهم الديموقراطية، تجربةٌ لم تكن منحةً من أحد، بل ثمرة وعيٍ وطنيٍ مبكرٍ وإصرارٍ على أن يكون القرار في يد الشعب.

‏ثم جاء الاستقلال الفعلي عام 1943 ليكرّس تأسيس الدولة اللبنانية الحديثة، دولة المؤسسات والشرعية، القائمة على التوازن والمشاركة، لتصبح نموذجاً متقدّماً في محيطٍ عربيٍ لم يكن قد عرف بعدُ الممارسة الديمقراطية بصورتها المؤسساتية”.

‏وتابع:” في الستينات، أتى العهد الشهابي بقيادة الرئيس فؤاد شهاب ليُحدث نقلة نوعية في مسار بناء الدولة، فكانت المؤسسات الإدارية والرقابية، وكانت التنمية المتوازنة، وكانت الدولة الحاضنة للمواطن، لا الحاكم عليه. لقد أراد شهاب أن يُقيم دولة العدالة والإنماء والشفافية، فأسّس لما يُعرف اليوم بمفهوم الدولة الحديثة في لبنان.

‏ثم جاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في أوائل الثمانينات، ليُعيد للبنان بعد الحرب الأهلية دوره ومكانته، ومن خلال اتفاق الطائف، الذي لم يكن مجرّد تسوية سياسية، بل كان مشروعا وطنياً متكاملاً لإعادة بناء الدولة وتفعيل مؤسساتها، ولتأكيد مبدأ الشراكة الوطنية في ظل دولة واحدة وسلطة شرعية واحدة، والذي أقر سنه 1989″.

وقال:”‏لقد أعاد الرئيس رفيق الحريري للبنان صورته المشرقة أمام العالم، دولةً قادرةً على النهوض، وديمقراطيةً نابضةً بالحياة، واقتصاداً منفتحاً على التطور والاستثمار والحداثة”.

واكد ان “لبنان كان، ولا يزال، من أوائل الدول في الشرق الأوسط التي كرّست ديموقراطيةً حقيقية تقوم على التداول السلمي للسلطة، وعلى احترام إرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع، في وقتٍ كانت فيه المنطقة غارقةً في أنظمة شمولية”.

‏واشار الى ان”  التجربة اللبنانية شكّلت، بكل ما شابها من إخفاقات وصعوبات، نموذجاً حيّاً لما يمكن أن تكون عليه الدولة العربية الحديثة، القائمة على الدستور والقانون والمؤسسات لا على الأهواء والمصالح الشخصية. ‏واليوم، ومع ما تشهده المنطقة من تحوّلات سياسية عميقة وجذرية، من الانتخابات النيابية في سوريا إلى التطورات المتسارعة في العراق، بات واضحاً أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة إعادة تشكّل كاملة، وأن الشعوب بدأت تُعبّر بوضوح عن رفضها للوصاية، ولأنظمة الاستتباع والفساد التي كبّلت إرادتها لعقود”.

‏وقال:” في العراق تحديداً، جاء موقف الأشقاء العراقيين من المشاركة السياسية وما تبعها من تطورات خلال التحضير للإنتخابات النيابية ونتائجها، ليؤكد أن العراق يعيش لحظة تحوّل وطني كبرى، عنوانها استعادة القرار الحر والهوية العربية الأصيلة”.

 ولفت الى ان” هذا الموقف الشعبي والسياسي الجريء يُعبّر عن رفضٍ شامل للهيمنة الخارجية، وعن توقٍ عميق لعودة العراق إلى موقعه الطبيعي في الحضن العربي، تماماً كما بدأ المسار ذاته يتبلور في سوريا، حيث بدأت ملامح العودة إلى الانتماء العربي والسيادة الوطنية تظهر من جديد.

‏بالنسبة إليّ، فإن العراق يحتل مكانة خاصة في وجداني، ليس فقط لروابطه التاريخية مع لبنان، بل لأن في أرضه جذوراً عائلية عزيزة، فهو موطن أخوالي وأرضٌ تربطني بها عاطفةٌ صادقةٌ وذكرياتٌ عميقة”.

 ورأى “في التحوّل العراقي الحالي نقطة انعطاف تاريخية ستعيد التوازن إلى المشرق العربي، وتضع حداً لسنواتٍ من التبعية والشرذمة التي عطّلت قيام دولٍ حرةٍ سيدةٍ على قرارها”.

واعتبر ‏إن “ما يجري اليوم في العراق وسوريا وعموم المنطقة ليس مجرد تغيير سياسي، بل ولادة لشرقٍ أوسط جديد، شرقٍ ينهض من تحت الركام، يُعيد الاعتبار للدولة الوطنية، ويرفض الاستبداد والوصاية، ويستعيد مكانته في محيطٍ عربيٍ كان لبنان رائده ومثاله الديموقراطي الأول”.

وتابع:”‏إننا في هذا المفصل التاريخي نؤكّد أن لبنان بحاجة إلى استعادة جوهر التجربة الديموقراطية التي انطلقت منذ 1920، وتطوّرت عبر الاستقلال، وتعزّزت في عهد فؤاد شهاب، وتكرّست في اتفاق الطائف بجهود رفيق الحريري.

‏هذه المسيرة هي التي نريدها أن تستمرّ وتتجدّد اليوم برؤيةٍ عصريةٍ حديثة، قوامها دولة قوية قادرة، تُواكب العالم في اقتصاده الرقمي، وعدالته الاجتماعية، وشفافيته المؤسسية.

‏إن رؤيتي لمستقبل لبنان تقوم على أن نستعيد الدولة من الفوضى إلى النظام، ومن الزبائنية إلى المواطنة، ومن الانقسام إلى الوحدة”.

 واعتبر انه” آن الأوان لأن يعي اللبنانيون أن ديموقراطيتهم ليست ترفاً، بل هي رسالتهم للعالم، وأن ما بُني بدماء الشهداء وعقول المصلحين يجب ألا يُهدَر في دوّامة المصالح الضيّقة والتبعية السياسية.

‏لبنان كان وسيبقى منارةً للديموقراطية والحرية في هذا الشرق، وموقعه الطبيعي بين الدول المتقدمة ليس خياراً بل واجب وطني. ‏وإنّنا، إذ نُجدّد العهد على المضيّ في نهج بناء الدولة العادلة الحديثة، نؤكد أن لبنان الجديد لن يُبنى إلّا على أسسٍ من الشفافية، والمساءلة، واحترام الدستور، وتكافؤ الفرص، وأن لا قيامة له إلا بعودة الدولة إلى دورها الكامل، السيادي، العادل”.

وختم:”‏لقد بدأنا منذ أكثر من مئة عام مسيرة بناء الكيان، واليوم نبدأ مرحلة استعادة الدولة”.

 

المصدر: Lebanon24