كتب ابراهبم بيرم في” النهار”؛ الضغوط الأميركية المتعاظمة المندرجة تحت عنوان تجفيف مصادر تمويل “حزب الله”، اتخذت في الساعات الماضية شكلاً تصاعدياً غير مسبوق تجلّى في زيارة الوفد الكبير المتخصص بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال في وزارة الخزانة الأميركية. إلا أن الأمر كان عبارة عن تتويج لرحلة ممتدة، انطلقت خطواتها الأولى قبل أكثر من عقدين وكانت سياقاً تراكمياً بلغ حدّه الأقصى في الأشهر التي تلَت سريان اتفاق وقف النار منذ نحو عام. في الأعوام السابقة لـ”حرب الإسناد”، كانت الضغوط الأميركية عبارة عن “إغارات متقطعة”، وفق ما تقول مصادر معنية بهذا الملف في الحزب. وكان منطلقها وضع شركات ورجال أعمال لبنانيين من الداخل والخارج ضمن اللائحة الأميركية بصفتهم معاقبين بجرم التعامل مع الحزب المصنّف إرهابياً. وبلغ عدد الشركات والمؤسسات، وجلّها في قطاع البناء والإعمار، نحو 30 شركة، بما أدى إلى انسحاب تلك الشركات من الأسواق وصرف العامِلين فيها، وهم بالمئات، وخسائر قدّرت في حينه بنحو نصف مليار دولار. ومن أبرز تلك المؤسسات شركة “الإنماء” التي بنت عشرات الأبنية في الضاحية الجنوبية وسواها. وتلتها مباشرة ضربات أميركية لرجال أعمال لبنانيين جلّهم من الشيعة، وبينهم قلة من طوائف أخرى، والكثير منهم يحملون الجنسية الأميركية أو جنسيات غير لبنانية. وتقدّر تلك المصادر عدد هؤلاء بأكثر من 170 رجل أعمال لا يزال بعضهم نزيل السجون الأميركية والأوروبية، وقد اضطر العديد منهم إلى إيقاف نشاطه التجاري والاختفاء، أو تقليصه إلى أدنى الحدود. بدا الأمر في حينه عملية ترهيب منظّم، خصوصاً أن الأمر اقترن بحديث متعاظم عن الكارتل الثالثي بين ثلاث دول متجاورة في أميركا اللاتينية، حيث العين مركزة في تلك البقعة على جالية لبنانية شيعية كبيرة نسبياً تنشط بفاعلية تجارياً هناك منذ زمن بعيد، وقد كانت سلطات تلك الدول تتخذ إجراءات متشددة حيالهؤلاء تحت وطأة الضغط الأميركي.
أما الفرع الثالث من الضغوط الأميركية على الحزب وبيئته الحاضنة، فتركز في الأعوام القليلة الماضية على قطاع المصارف، حيث كان متمولون شيعة قد ولجوا لتوهم إلى هذا القطاع. وقد أدت تلك الضغوط في حينه إلى تصفية لمصرف قديم، هو “جمال تراست بنك” الذي منع من استئناف نشاطه على رغم حصوله على براءة من التهم المنسوبة إليه من القضاء الأميركي المختص، فيما أُجبر “المصرف اللبناني – الكندي” على الاندماج مع مصرف آخر وأُلغي ترخيصه، وبقي مصرفان تحت العين الأميركية الراصدة. والمعلوم أيضاً أن هذا السيف قد وصل إلى رقبة عشرات شركات الصرافة وتحويل الأموال، وتهمتها تسهيل نقل الأموال للحزب، فأُلغي ترخيص بعضها واضطر بعضها الآخر إلى تقليص نشاطه بعد اتساع، وقد كان المستهدف من هذه الإجراءات حركة أموال المغتربين الشيعة في دول القارة الإفريقية حيث لهم هناك إمبراطوريات مالية. وفي السياق عينه، أتى أخيراً التركيز الأميركي على مؤسسة “القرض الحسن” والدعوة الصريحة إلى تصفيتها من جانب الجهات اللبنانية المعنية خلال مهلة زمنية محدودة.
الهدف الأميركي المعلن هذا، يعتمد فرضية أن هذه المؤسسة التي انطلقت بموجب علم وخبر وفق الأصول في أواخر عقد الثمانينيات، تشكل عصب الحزب المالي، ونقطة التقاطع بين كل مؤسسات الحزب الأخرى التربوية والصحية، التي يعتقد الأميركيون وسواهم أنها نمت واتسعت منذ عقد التسعينيات، وشكلت مادة جذب أساسية لهذا الالتفاف حول الحزب والتعاطف معه من بيئته الحاضنة، وهو ما أباح له التمدد والتجذر. يتصرف الحزب من منطلق أن تصاعد الضغط الأميركي إلى هذا المستوى لم يفاجئه، إذ إنه يعلم أن هذا الضغط سيتواصل ليس على الحزب وحده بل على الدولة اللبنانية ومؤسساتها المعنية، لدفعها في نهاية المطاف إلى تصادم مع الحزب، وخصوصاً إذا ما عجز بعض المسؤولين فيها عن الصمود في وجه هذه الضغوط. من المعلوم أن رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد سُئل قبل فترة وجيزة عن رد الحزب إذا قررت الجهات المعنية في الدولة اتخاذ التدابير التي تنزع رخصة “القرض الحسن” وتعتبره خارجاً عن القوانين، فكان جوابه التحذير من ردة فعل الفئة البشرية المستفيدة من تقديمات هذه المؤسسة، والتي تقرض من يشاء مبالغ مالية في مقابل تقديم رهانات بسيطة مضمونة الإعادة.
وكتبت وفاء بيضون في” اللواء”:بعد كتاب «حزب الله» المفتوح والموجّه الى الرؤساء الثلاثة والذي حدّد من خلاله الحزب عناوين تعاطيه مع المشهدين السياسي والأمني على قاعدة ما عدّه ثوابت لا يمكن تغييرها وخاصة «سلاح المقاومة ومقاربتها للتطورات الميدانية» وبالتالي رفضه أي مفاوضات تعطي الاحتلال بالسياسة ما عجز عن أخذه بالحرب.
يبدو اضحا ان المرحلة بدأت تأخذ مسارا مختلفا تفاوتت تفسيراتها بين من عدّ هذا التطور منسقاً ومدروساً بين «الحزب وأركان الدولة»، ومن عدّه بمثابة كتاب لمن يهمّه الأمر لا يخلو من التحذير والتهديد المبطّن للداخل والخارج معا. من هنا كان ردّ «كيان الاحتلال» سريعا بتوسيع رقعة الاستهدافات وعودة التحذيرات الى ما سبقها إبان الحرب المفتوحة ليبدأ وكما صرّح أكثر من مسؤول إسرائيلي العد العكسي لقرب الانفجار الكبير.
مصادر متابعة قالت: «أن الجبهة الشمالية دخلت طورا جديدا من التصعيد الإسرائيلي، على مختلف المستويات، عسكريا وسياسيا وإعلاميا. وتتابع المصادر قولها بموازاة ذلك، يشهد الخطاب الإعلامي والسياسي في «تل أبيب» استنفارا لافتا يعكس حجم التهديدات ما يوحي بأن المواجهة مع «حزب الله»أصبحت محسومة. من هنا ترى بعض المصادر «التهويل بالحرب ورفع سقف الخطاب حول نزع السلاح إنما يهدف الى المزيد من الضغط على لبنان لاستدراجه نحو مفاوضات سياسية قد تخرج من إطار «لجنة الميكانيزم» الى طاولة مباشرة تجمع الأطراف المتنازعة برعاية واشنطن». من هنا تتقدم أسئلة عدة هذا المشهد، فهل ستذهب الأمور نحو ما بات يسمّى بالمعركة الكبرى التي يتحدث عنها بعض الإعلام الإسرائيلي، أم المسار الذي يحاول الوسطاء رسم ملامحه، سينجح في فرملة التوتر ؟
المصدر: Lebanon24