وتُعرَف لجنة “الميكانيزم” بأنها إطار يجمع لبنان وإسرائيل وقوات “اليونيفيل”، تحت رعاية أميركية – فرنسية، بهدف مراقبة تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية.
وأعيد تأسيس “الميكانيزم” في تشرين الثاني 2024 بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لتشكّل تطويرا للجنة الثلاثية التي انبثقت عن القرار 1701 عقب حرب تموز 2006.
وتعمل اللجنة كقناة تواصل غير مباشر، تُعرض فيها التقارير الميدانية اليومية، وتُناقش الخروقات بجميع أنواعها، سواء كانت جوية أو بحرية أو على طول الخط الأزرق، ووفق وثيقة الأمم المتحدة توكل إليها 4 مهام أساسية:
– مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار.
– وضع آليات للتحقق والتفتيش في نقاط محددة جنوب نهر الليطاني.
– جمع المعلومات الميدانية وتبادلها عبر “اليونيفيل”.
– دعم الجيش اللبناني في عمليات الانتشار والسيطرة على المنطقة الحدودية.
وجاءت اللجنة ثمرة مرحلة شديدة الاحتقان بعد حرب 2006، حين دفعت القوى الدولية باتجاه إيجاد أداة تضبط الحدود وتمنع الانزلاق إلى مواجهة شاملة، وبينما رأت إسرائيل فيها منفذا لتخفيف الضغط الدولي عليها، تعامل لبنان معها بوصفها إطاراً يحفظ سيادته ويُمكّنه من تثبيت حضوره الرسمي جنوباً.
وتجتمع اللجنة دورياً في مقر “اليونيفيل” بالناقورة، حيث تعرض تقارير مفصلة عن التطورات الميدانية، ومع مرور السنوات، تحولت الاجتماعات إلى مساحة حوار غير معلنة تجمع أطرافاً متقابلة المصالح، وفق التقرير.
وبحسب تقرير “الجزيرة”، يجلس الوفدان العسكريان اللبناني والإسرائيلي على طاولة واحدة بإشراف أممي، لعرض خرائط الانتشار وتثبيت الروايات حول الخروقات، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة التجاذب السياسي بين نفوذ واشنطن – تل أبيب من جهة، والموقف اللبناني المدعوم من فرنسا والأمم المتحدة من جهة أخرى.
ومع ارتفاع وتيرة المواجهات المتقطعة خلال الأعوام الأخيرة، اتسعت طبيعة دور اللجنة، إذ انخرطت في تنسيق الانسحابات من النقاط المتنازع عليها، والتدقيق في بلاغات تحليق الطائرات الإسرائيلية، وتوثيق الخروقات اليومية التي ترفع لاحقا إلى مجلس الأمن.
لكن التحول الأبرز كان دخولها تدريجياً في مساحات سياسية مقنعة؛ فقراراتها – وإن بقيت غير ملزمة – تقرأ غالباً كإشارة إلى مستوى الضغوط على الحكومة اللبنانية، أو إلى مدى استعداد إسرائيل للالتزام بحدود وقف النار، وهكذا تحولت الآلية إلى أداة توازن دقيقة تُستخدم لاحتواء التوتر أكثر مما تستخدم لحله.
غير أن صلاحيات اللجنة تنحصر في التوصية والرفع إلى الأمم المتحدة، ما يجعل تنفيذ قراراتها رهينة إرادة الطرفين، ويحد من قدرتها على فرض احترام وقف الانتهاكات، خصوصاً في ظل اختلال ميزان القوة وتعاظم الضغوط السياسية داخل الاجتماعات.
ويعدُّ هذا الخلل أحد أبرز تحديات الآلية، فإسرائيل تستخدم الجلسات لتثبيت سرديتها الأمنية، بينما يسعى الوفد العسكري اللبناني إلى تأكيد مبدأ السيادة ورفض فرض أي التزامات خارج نصوص القرارات الدولية. أما الجانب الفرنسي، الضامن السياسي للقرار 1701، فيلعب دور الوسيط الباحث عن نقاط التلاقي من دون أدوات إلزام، وفق ما يقول التقرير.
من الزاوية العسكرية، يرى الخبير الإستراتيجي العميد علي أبي رعد أن وجود لجنة “الميكانيزم” قد يبدو مهما على المستوى النظري، لكنه عملياً ينتقص من الدور المباشر لقوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان، “والتي لعبت دوراً فاعلاً في مراقبة الحدود قبل أن تتعرض بدورها لقصف واعتداءات إسرائيلية، هدفت إلى شل فعاليتها”.
ويستعيد في هذا السياق الجدل الذي رافق جلسات التمديد لقوات “اليونيفيل” في الأمم المتحدة، ومحاولات العرقلة الأميركية والإسرائيلية، إلى أن جرى التمديد لمدة سنة ونصف فقط تنتهي نهاية عام 2026.
في إشارة، كما يقول، إلى نية مبيتة لإنهاء دورها واستبدالها بقوات دولية ذات طابع فرنسي أو ألماني أو بريطاني أو أميركي، بما يشبه شكلا من أشكال الاحتلال غير المباشر أو “القانوني”، وهو ما ترفضه الدولة اللبنانية التي تتمسك ببقاء قوات الطوارئ الدولية.
ويشير أبي رعد إلى أن اللجنة، منذ تأسيسها، لم تستطع ضبط الإيقاع الأمني على الحدود، وبدت في كثير من الأحيان كأنها تنفّذ الإملاءات الإسرائيلية، من دون أن تقدم دوراً فعلاً على الأرض، فهي لا تمتلك قوة تنفيذية أو القدرة على تسيير دوريات، رغم علمها بالغارات الإسرائيلية المتكررة وعمليات الاستهداف بالطائرات المسيّرة والغارات الجوية التي طالت مناطق بعيدة داخل العمق اللبناني، من الجنوب إلى شمال نهر الليطاني، وصولاً إلى البقاع والضاحية الجنوبية.
كذلك، يوضح أن لبنان وافق فقط على إشراك خبراء وتقنيين ضمن إطار فني محدود في اللجنة، بينما يدفع الجانبان الأميركي والإسرائيلي لإدخال مدنيين ودبلوماسيين بهدف تحويل اللجنة إلى منصة سياسية تمهد لمفاوضات مباشرة، قد تُفرض فيها شروط مثل نزع السلاح أو اتفاقات أمنية، مؤكداً أن لبنان لا يرى أي جدوى عسكرية من توسع الجنة.

