سامي الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية في كندا. هو خبر عادي في الأيام العادية. ولكن في هذه الظروف المصيرية لا يعود خبر هذه الزيارة عاديًا. هو خبر أكثر من عادي، بل استثنائي. واستثنائية مجيء هذا الشاب، الذي يحمل إرث حزب سياسي عريق أعطى للبنان رئيسي جمهورية، وقدم على مذبح الوطن أربعة شهداء من عائلة آل الجميل، أمين أسود، حفيد المؤسس، ومايا الجميل، والشيخ بشير الجميل، والوزير بيار الجميل، ليس تفصيلًا بقدر ما هو الحدث بحدّ ذاته.
يأتي سامي الجميل إلى كندا حاملًا إلى لبنانيي الانتشار أملًا جديدًا بإن قيامة وطنهم الأم باتت قريبة بعدما طالت جلجلته.
وهذا الأمل، الذي يحمله معه رئيس الكتائب، ليس مجرد شعر أو مجرد كلمات مصفوفة، بل هو نتيجة نضال سياسي بدأ مع “ثورة الأرز”، التي رعاها المثلث الرحمات البطريرك التاريخي مار نصرالله بطرس صفير، وتجلى بانسحاب الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو مستمر بالعمل اليومي، الذي تقوم به القوى السيادية، والذي أخذ أبعادًا استراتيجية بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وبعد خطاب القسم، الذي أعلن أن لا بندقية تعلو على بندقية الجيش، ودعا إلى حصرية السلاح بأيدي القوى الشرعية، وأن منطق الدويلات لم يعد مقبولًا، وأن ما ينتظره اللبنانيون بعد سنوات طويلة من المعاناة سيكون أفضل بكثير مما مضى.
فلزيارة سامي الجميل إلى كندا، ومن بعدها إلى الولايات المتحدة الأميركية، لن تكون كغيرها من الزيارات. هو يأتي إلى المكان المختلف، وإلى انتشار قد أثبت أنه الدعامة الأساسية للصمود الداخلي بكل أوجهه.
فاللبنانيون المغتربون في كندا هم بأكثريتهم الساحقة مؤمنون بأن لهم دورًا إنقاذيًا يوازي بأهميته ما يقوم به المقيمون، وهم متمسكون بلبنانيتهم كتمسكهم بإيمانهم ومعتقداتهم وتقاليدهم وأصالتهم وتراثهم. وهذا ما سيلمسه “الشيخ الشاب” ما أن تطأ قدماه هذه الأرض، التي احتضنت آلاف اللبنانيين، الذين لم يقصدونها لو لم تصل بهم حالهم في وطن الآباء والأجداد إلى حافة اليأس.
سيجد سامي الجميل في مونتريال لبنانيين متعطشين ربما أكثر من بعض اللبنانيين المقيمين إلى رؤية وطنهم منتصرًا على محنه وأزماته الكثيرة. وسيجد أن في كندا لبنانيين متمسكين بثوابتهم التاريخية، وهم مستعدون لكي يمدّوا هذا الوطن بكل أنواع الأمصال ليبقى صامدًا في وجه الاعاصير.
ما نقوله في هذه العجالة يدركها “فتى الكتائب الأغرّ”، ويعرف ربما أكثر من غيره مدى حاجة لبنانيي الانتشار إلى ما يعيد إليهم الأمل. ويعرف أيضًا أن لدى هؤلاء المغتربين من قوة إرادة وعزيمة ما يفوق الوصف.
يأتي سامي الجميل إلى كندا وبين يديه مشروع انقاذي. فمشروع الحياد الذي طرحه قبل أيام ليكون في صلب مقدمة الدستور هو الحل الوحيد لإبقاء لبنان ضمن أسرته العربية، بعيدًا عن التأثيرات الخارجية لأي صراع اقليمي. وقد يكون المغتربون أكثر مَن يعرف قيمة هذا الطرح، وهم الذين هاجروا إلى المجهول هربًا من تداعيات هذه التأثيرات الخارجية على وضعهم الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي. فلو لم يكن وطنهم ملحقًا في فترات متقاربة بمحاور اقليمية استجلبت عليهم ويلات حروب لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل لما اضطروا إلى ترك ماضيهم وراء ظهورهم، وحملوا على ظهورهم حقائب الهجرة.
فاللبنانيون المغتربون ذوات الإرادة الصلبة هنا في كندا وفي كل بقاع أرض الانتشار يريدون أن تكون لهم بصمة وعلامة فارقة في صنع القرار اللبناني الصافي، وأن ينتخبوا نوابهم الـ 128 من دون زيادة أو نقصان، لأن ما يربطهم بالوطن أكبر بكثير من أن يُحصروا بستة نواب غير معروفين.
شيخ سامي ستكتشف حتمًا عند أول لقاء لك مع أبناء الجالية أن لديهم ما يكفي من إرادة ومن عزم وعزيمة، وبأن لبنان البعيد عنهم آلاف الأميال هو أقرب إلى فكرهم وقلوبهم. فهم موجودون جسديًا في كندا وفي استراليا وفي أميركا وفي كل مكان، ولكنهم لا يزالون يعيشون في لبنان بيومياتهم وعلاقاتهم ورؤاهم وتطلعاتهم، وستجد قلوبًا تضاهي ببياضها ما ستراه من ثلج على الطرقات وعلى أسطح البيوت وعلى الأشجار.