Categories: أخبار

“صرنا أقل صبرًا”.. هل أصبحنا أسرى السرعة في زمن التكنولوجيا؟

في زمنٍ تتسارع فيه كلّ تفاصيل الحياة، باتت السرعة سمة العصر ومحرّكه الأساسي. من المواصلات إلى الاتصالات، من التسوّق إلى التعليم، كلّ شيء أصبح متاحاً بضغطة زر. التكنولوجيا التي كان يُفترض أن تكون وسيلة لتسهيل حياتنا، جعلتنا في المقابل نعتاد الحصول على كلّ ما نريد فوراً، حتى أصبح الانتظار أمراً غير مألوف، وربما غير محتمل.
لقد غيّرت التكنولوجيا إيقاع يومنا. الهاتف الذكي مثلاً جعل الوصول إلى المعلومات، التواصل مع الآخرين، أو حتى التسلية، أموراً فورية. خدمات التوصيل السريع باتت جزءاً من روتيننا اليومي، والمنصّات الرقمية تقدّم المحتوى في لحظة واحدة. هذا الواقع ولّد جيلاً يرفض البطء، ويربط الكفاءة بالسرعة فقط. لكن هذه العادة الجديدة لم تمرّ من دون ثمن نفسي واجتماعي.
يؤكد عدد من المتخصصين في علم الاجتماع أنّ الوتيرة السريعة للحياة وبعد تعودنا عليها خلقت ما يُعرف بـ”قلق الانتظار”، وهو شعور بالتوتر أو الانزعاج عند أيّ تأخير، حتى لو كان بسيطاً. فالدماغ البشري أصبح مبرمجاً على التحفيز الفوري، ما يقلّل من قدرته على التحمل أو التركيز الطويل. واشارت دراسة حديثة لجامعة هارفرد إلى أنّ الأشخاص الذين يستخدمون هواتفهم بشكل مفرط، يصبحون أقلّ قدرة على الصبر وأضعف في إدارة الوقت، مقارنةً بمن يقلّلون من استخدام للتكنولوجيا.
هذا التحوّل لا يقف عند الأفراد فقط، بل تخطاهم إلى علاقاتهم الاجتماعية. فالتواصل عبر الرسائل الفورية ومنصات التواصل الاجتماعي جعلت العلاقات أكثر سطحية وأقلّ عمقاً، إذ بات كثيرون يفضّلون الردود السريعة على المحادثات الطويلة، واللقاءات الافتراضية على اللقاءات الحقيقية. وبحسب دراسة، فان الاستخدام المفرط للتكنولوجيا قلّل من جودة التواصل الإنساني، وأضعف مهارات الإصغاء والتعاطف.
أما في بيئة العمل، فقد انعكست وتيرة السرعة في شكل ضغط دائم لتحقيق نتائج فورية. كثيرون باتوا يشعرون أن البطء يعني الفشل، وأن التمهّل يُعتبر ضعفاً.  هذا الضغط النفسي المستمر ساهم في ارتفاع معدلات التوتر والاحتراق الوظيفي حول العالم.
لا يمكن إنكار أنّ التكنولوجيا جعلت حياتنا أكثر سهولة وفعالية، لكنها في الوقت نفسه سرقت منّا متعة التريّث والتأمل. وربما علينا اليوم أن نتعلّم كيف نعيد التوازن بين السرعة والهدوء، بين التكنولوجيا والإنسانية، حتى لا نصبح أسرى عصرٍ يُسابق نفسه من دون أن يعرف إلى أين يمضي.
المصدر: “لبنان 24”

المصدر: Lebanon24

News Desk

Share
Published by
News Desk

Recent Posts

خريش يستقبل نوابًا ورؤساء جمعيات وبلديات

استقبل المدير العام للدفاع المدني بالتكليف العميد الركن عماد خريش، في مكتبه، النائبين محمد سليمان…

دقيقتان ago

ناصر الدين إفتتح مؤتمرًا علميًا عن العناية التلطيفية: تقدم الرعاية المناسبة في الوقت والمكان المناسبين

افتتح وزير الصحة العامة ركان ناصر الدين المؤتمر العلميّ عن "العناية التلطيفية ودمج الرعاية المنزلية…

7 دقائق ago

“الهدوء المُعلّق”.. واشنطن تفتح جبهة الاستنزاف البارد!

في الكواليس الدبلوماسية المتشابكة، تتحرّك واشنطن بخيوط دقيقة لإعادة رسم خطوط الاشتباك والتسوية في المنطقة،…

15 دقيقة ago

داخل منزله في سن الفيل… هذا ما فعله سوريّ بقاصرٍ

صـدر عـن المديـريّة العامّـة لقوى الأمن الدّاخلي ـ شعبة العلاقات العامّـة البلاغ التّالي: في إطار…

16 دقيقة ago

“اعتداء على كل اللبنانيين والدولة”.. تنديد واسع بالجريمة الإسرائيلية في بلدة بليدا

توالت المواقف والبيانات المندّدة بالجريمة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي فجر الخميس في بلدة بليدا الحدودية،…

21 دقيقة ago

نقابة مستخدمي تلفزيون لبنان: رواتب الموظفين خط أحمر

وفي هذا السياق يؤكد مجلس النقابة ان موظفي التلفزيون الذين انتظروا طويلا، تعيين مجلس إدارة…

25 دقيقة ago