هذه القوى التي تدفع باتجاه إجراء الانتخابات ليست هامشية، بل تمسك بمفاصل أساسية في المؤسسات، على رأسها رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري و”حزب الله”، وبالتالي يصبح خيار تعطيل الاستحقاق شبه مستحيل ما لم يحصل حدث أمني كبير يفرض نفسه على الجميع، كتصعيد واسع من قبل إسرائيل على الأراضي اللبنانية أو اندلاع حرب شاملة تخلط الأوراق من جديد.
وبغياب هذا السيناريو، فان المؤشرات تشير إلى أن البلاد تتجه نحو صندوق الاقتراع في موعده، حتى لو ظلّ الكلام السياسي يتأرجح في العلن.
هذه الانتخابات لا تُعتبر مجرد معركة مقاعد وكتل. هي في الواقع الخطوة الأولى لمرحلة سياسية جديدة قد تتزامن مع انتخاب الرئيس جوزيف عون وبداية مسار مختلف في إدارة الدولة. فنتائجها ستحدد شكل الحكومة المقبلة، واسم رئيسها، وطبيعة التحالفات داخل مجلس النواب.
الأهم من ذلك أنها قد تنهي حالة التوازن السلبي داخل البرلمان، ذلك التوازن الذي شلّ القدرة على اتخاذ القرارات وأبقى البلد في دائرة الاستنزاف.
بحسب مصادر سياسية مطلعة، الواقع النيابي الجديد المتوقع أن ينتج عنه توازن سياسي أكثر وضوحًا، يجعل إمكانية الوصول إلى تسوية واسعة أمرًا ممكنًا. هذه التسوية من المفترض أن تضع حدًا لحالة الحرب المفتوحة سياسيًا وعسكريًا، وتعيد الاستقرار تدريجيًا للبنان، مع ما يعنيه ذلك من تحسين وضع المؤسسات ومحاولة التقاط أنفاس الاقتصاد.
إضافة إلى ذلك، فإن الانتخابات ستشكل فرصة لإعادة تثبيت شرعية القوى السياسية أمام جمهورها وفي مقدمتها “حزب الله”، الذي يحتاج إلى تجديد الغطاء الشعبي بعد سنوات من الحرب والكباش الداخلي. أي نتيجة تمنحه كتلة قوية ستشكل رسالة واضحة على استمرار ثقله الداخلي، ما يسهم في ترتيب البيت السياسي اللبناني بدل ترك المشهد مفتوحًا على سيناريوهات غير محسوبة.
الاستحقاق الانتخابي ليس ترفًا سياسيًا اليوم، بل ضرورة لتجاوز مرحلة الشلل ومنع انفلات الواقع أكثر. ولهذا، ورغم الضوضاء الكلامية، يبدو الطريق إلى الانتخابات مفتوحًا، والإطار العام يدل على أن البلاد مقبلة على تغيير سياسي، مهما كانت تعقيداته، لأن البديل هو الفراغ والفوضى، وهذا ما لم يعد أحد قادرًا على احتماله.

