تبدو الولايات المتحدة اليوم، بحسب مصادر أميركية، أكثر تركيزاً على الاستقرار الأمني ومنع أي تصعيد إسرائيلي غير منضبط، لكنها في الوقت نفسه تشدد على مبدأ التفاوض المباشر مع إسرائيل كخيار وحيد يجنّب لبنان أي حرب محتملة، معتبرةً أن أي تصعيد يمكن تجنّبه فقط من خلال القبول بمسار تفاوضي واضح.
وتقول المصادر الأميركية المطلعة على الزيارات اللبنانية إلى الولايات المتحدة إن التحركات اللبنانية الأخيرة لم تُحدث الأثر المطلوب. فزيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى نيويورك في أيلول الماضي ومشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تحقق النتائج المرجوة دبلوماسياً، كما أن زيارة الوفد الوزاري برئاسة وزير المال ياسين جابر وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد إلى واشنطن ولقاءاتهم مع صندوق النقد والبنك الدولي جاءت دون المستوى المطلوب، في ظل انعدام الثقة الدولية بقدرة الدولة اللبنانية على الإصلاح.فلبنان، الذي يعاني انهياراً اقتصادياً حاداً، بات خارج أولويات الدعم الخليجي والأوروبي في المرحلة الراهنة.
ولا تتوقف المصادر عند هذا الحد، إذ تشير إلى المشاركة اللبنانية في مؤتمر المنامة، حيث حضرت تسع دول على مستوى وزراء الخارجية، بينما اقتصر تمثيل لبنان على وزير الداخلية أحمد الحجار وغاب وزير الخارجية يوسف رجي، في دلالة واضحة على أن الاهتمام الدولي بلبنان يقتصر حالياً على الشق الأمني الداخلي لا على موقعه السياسي أو علاقاته الخارجية.
وعلى المقلب الإسرائيلي، تتصاعد التهديدات بشكل ملحوظ. فالتقارير الواردة من المواقع العبرية تشير إلى أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية نقلت إلى الإدارة الأميركية معلومات تؤكد استمرار “حزب الله” في إعادة بناء ترسانته العسكرية، وأن إسرائيل نفذت أكثر من ألف غارة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار. كما المح مسؤولون إسرائيليون إلى احتمال قيام إسرائيل بعملية عسكرية جديدة إذا استمرت بيروت في التردد، ما يعكس استعداداً ميدانياً مسبقاً لتصعيد واسع.
كما ان تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي لرئيسة بعثة الأمم المتحدة في لبنان جانين بلاسخارت، ورئيس الأركان إيال زامير الذي تحدث عن “العودة بقوة إلى الجبهات الأخرى”، تصب جميعها في هذا الاتجاه التصعيدي.
في المقابل، جاءت مواقف “حزب الله” عبر أمينه العام الشيخ نعيم قاسم لتؤكد أن لبنان نفّذ التزاماته في الاتفاقات السابقة، وأن على إسرائيل الالتزام بالمثل.
في المحصّلة، يبدو أن لبنان يقف على مفترق طرق خطير بين الانكفاء الدولي والتهديد الإسرائيلي المتصاعد. فواشنطن تعتبر أن بيروت لم تقم بما هو مطلوب منها على صعيد تنفيذ الإصلاحات أو التفاعل مع المطالب الأميركية المتصلة بنزع السلاح. ومع انعدام الدعم العربي والغربي، سيزداد العزل السياسي والاقتصادي للبنان، فيما تبقى الأنظار متجهة إلى جبهة الجنوب حيث الترقب لمواجهة جديدة قد تنفجر في أي لحظة، في ظل غياب مظلة دولية حقيقية قادرة على ردع التصعيد.
وتشير الأجواء الأميركية إلى أنه لن تكون هناك حرب إسرائيلية شاملة على لبنان، لكن التصعيد قد يتجاوز الجنوب والبقاع ليصل إلى ضاحية بيروت. علماً أن انتخابات عمدة نيويورك، التي ستجري في الرابع من الشهر الجاري، قد تلعب دوراً في القرار الإسرائيلي، ولا سيما في ظل المنافسة الحادة بين المرشح الديمقراطي زهران ممداني والحاكم السابق أندرو كومو. فالأول يُصوَّر من قبل ترامب على أنه يساري متطرف وشيوعي، فيما يتحالف اللوبي اليهودي والجمهوريون بكل قوة لمنع فوزه، وهو الذي هاجم إسرائيل مراراً واعتبر أنها شرعت في حرب قاتلة في غزة. ولذلك، تنتظر تل أبيب الأيام القليلة المقبلة لمباشرة تصعيدها بعد صدور نتائج هذه الانتخابات، كي لا يوظفها ممداني سياسياً، بحسب المصادر الاميركية .

