أن يدخل رئيس سوري إلى البيت الأبيض من البوابة الخلفية، فذلك وحده كفيل بأن يختصر عقوداً من الصراع والقطيعة. لكن أن يُعلَن في الوقت نفسه عن تعليق العمل بقانون قيصر، فالمسألة تتجاوز الرمزية إلى ما يشبه انقلاباً في السياسة الأميركية تجاه دمشق، ولو بجرعات مدروسة ومؤقتة. فالبيت الأبيض لا يفتح أبوابه مجاناً، ولا يمدّ اليد إلا إذا كان في الحسابات ما هو أكبر من المجاملات.
فواشنطن، المثقلة بملفات الشرق الأوسط من غزة إلى بغداد مرورًا بلبنان، وجدت في دمشق مدخلاً لإعادة ضبط التوازنات، لأن سوريا بالنسبة إلى الإدارة الأميركية ليست مجرّد نظام، بل عقدة جغرافية وسياسية يمكن أن تُفتح منها أبواب النفط والغاز، وتُقفل منها أبواب المهاجرين والمخدرات. لذا، فتعليق قانون قيصر، في رأي أكثر من ديبلوماسي غربي، ليس “هدية” للنظام، بل استثمار أميركي في الاستقرار الإقليمي بعدما فشلت سنوات العزل في تحقيق أي تغيير جوهري.
أما لبنان، وهو الجار الأقرب إلى سوريا، ولا تفصل بين عاصمتهما سوى كيلومترات ليلة، فقد دفع الثمن الأكبر من الحرب والعقوبات معاً، وهو يقف اليوم مجدداً على حافة الفرصة السانحة. فرفع العقوبات عن سوريا يعني بالنسبة إلى بلد مثل لبنان يعاني ما يعانيه منذ عقود إعادة فتح خطوط التجارة البرية عبر المعابر المشتركة، تنشيط قطاعات النقل والصناعة اللبنانية، وإحياء مشاريع إعادة الإعمار التي يمكن لشركات لبنانية أن تدخلها بخبرة وسرعة.
لكن التجربة اللبنانية لا تبشّر بالخير. فبعض السياسيين أنفسهم الذين ضيّعوا فرصة إعادة الإعمار بعد الحرب السورية، والذين حولوا معابر الدولة إلى مزاريب تهريب، يستعدّون اليوم لإضاعة فرصة ثانية، هذه المرّة تحت عنوان “ننتظر توضيحات من واشنطن”. وهذا ما يندرج، إذا صحّ التعبير” تحت عنوان وحيد، وهو “أن الخوف من الاستفادة هو مرض لبناني مزمن”.
ففي كل مفصل تاريخي، يُصاب لبنان بـ “داء الحذر والتردّد المبالغ بهما”. يخاف أن يغضب الأميركي، وفي الوقت ذاته لا يريد أن يُدخل نفسه في علاقة متوترة مع دول الخليج، وبالأخص مع المملكة العربية السعودية، أو أن يتّهمه الأوروبي بأنه منحاز بكليته للسياسة الأميركية، مع ما تشهده ساحته الداخلية من خلافات تجعل أهل الحكم يزينون الأمور ومفاعيلها بميزان الجوهرجي، فينتهي دائماً إلى الخسارة، وإلى تضييع الفرص، وقد يدخل في هذا المجال موسوعة “غينيس” كأول بلد في تسجيل تضييع الفرص السانحة.
بينما نجد دولًا مجاورة وعلى الحدود السورية كالأردن والعراق استعدّت منذ الآن لمرحلة ما بعد رفع العقوبات بموجبات قانون قيصر بخطط اقتصادية وحدودية دقيقة، نرى أن لبنان لا يزال يتعامل مع الحدث كما لو أنه “خبر خارجي”. لا لجنة اقتصادية مشتركة مع دمشق، لا رؤية وزارية واضحة، ولا حتى بيان رسمي واحد يحدد كيفية تعاطي الحكومة مع الانفتاح الجديد.
فتعليق العقوبات لا يعني بطبيعة الحال نهاية الحرب السياسية على سوريا، لكنه بداية تحوّل واقعي في المقاربة الدولية. وإذا لم يلتقط لبنان هذه اللحظة، فسيجد نفسه بعد أشهر متفرجاً على قوافل إعادة الإعمار تمرّ عبر حدوده من دون أن يستفيد منها إلا المهربون.
فالاقتصاد اللبناني في حاجة إلى رئة تنفس جديدة، وسوريا هي الرئة الطبيعية، ليس فقط لتصدير السلع، بل لتبادل الخدمات، ولربط لبنان بالعمق العربي والآسيوي براً من جديد.
فسوريا – الشرع، التي دخلت إلى البيت الأبيض من البوابة الخلفية، عادت إلى المسرح الدولي من باب التاريخ. أما لبنان فلا يزال في سبات عميق، وإذا لم يستيقظ سريعاً من غفوته السياسية، فسيجد نفسه مجدداً على هامش المشهد، يصفّق لنجاحات الآخرين ويحصي خسائره بمراكمة أرقام لا تُحصى ولا تُعدّ.
لقد أزيلت القيود على سوريا مؤقتاً، فهل يملك لبنان الجرأة ليُطلق يديه، أم يفضّل أن يبقى مكبّل الإرادة، يقتات من “الانتظار” كما يقتات من الأزمات؟
المصدر: Lebanon24
أقامت السفارة الفرنسية في أكرا، حفلًا وداعياً على شرف السفير اللبناني في غانا، رئيس مجموعة…
كتب رئيس الهيئات الاقتصادية ورئيس "تجمع كلنا بيروت" الوزير السابق محمد شقير على حسابه عبر…
شدّد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان على أن "ما نحتاجه اليوم وحدة وطنية في…
ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، وقال…
وجرى عرض عام للوضع في لبنان والمنطقة ورؤية المملكة لها. ورحب النقيب جوزف القصيفي بالسفير…
استقبلت رئيسة "مؤسسة الحريري" بهية الحريري وفداً يمثل اتحاد "بلديات صيدا الزهراني" ضم رؤساء بلديات…