عندما قرّر الحبر الأعظم قداسة البابا لاوون الرابع عشر زيارة لبنان لم تكن تسوية قطاع غزة قد تأمّنت لها بعد ظروف نجاحها. إلاّ أن انعقاد قمة شرم الشيخ في 13 تشرين الأول الحالي، وما نتج عنها من اتفاق إسرائيلي – فلسطيني، قد عزّز قناعة الدوائر الفاتيكانية بأن توقيت الزيارة البابوية للبنان، وهي أول زيارة له خارجية بعد تركيا، من شأنه أن يصّب في خانة النظرة التفاؤلية السائدة لدى الكرسي الرسولي بالنسبة إلى مستقبل لبنان، الذي عانى كثيرًا، ولا يزال يعاني، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.
فالزيارات البابوية للبنان ليست كسائر الزيارات الأخرى، خصوصًا أن لهذا البلد الصغير ميزة غير متوافرة في أي بلد آخر. وهذه الميزة، لو اُحسن استخدامها إيجابًا، لكادت تكون المثال، الذي يجب أن يُحتذى في كل أقطار المسكونة. وهذا ما قصده البابا القديس يوحنا بولس الثاني عندما رفع لبنان من مستوى وطن عادي كسائر الأوطان في العالم إلى مستوى أسمى وأرقى، واصفًا إياه بأنه بلد رسولي. وهذا ما شدّد عليه البابا بندكتوس السادس عشر، وكذلك فعل البابا فرنسيس عندما وقّع في أبو ظبي مع شيخ الأزهر الشريف أحمد أبو الطيب وثيقة “الأخوة الإنسانية”، التي استوحت من التجربة اللبنانية الفريدة الكثير من المبادئ القابلة للتطبيق وغير النظرية، ولا سيما ما جاء في ختام هذه الوثيقة من دعوة لكي تكون “شِهادةً لعَظَمةِ الإيمانِ باللهِ الذي يُوحِّدُ القُلوبَ المُتفرِّقةَ ويَسمُو بالإنسانِ، ورمزًا للعِناقِ بين الشَّرْقِ والغَرْبِ، والشمالِ والجنوبِ، وبين كُلِّ مَن يُؤمِنُ بأنَّ الله خَلَقَنا لنَتعارَفَ ونَتعاوَنَ ونَتَعايَشَ كإخوةٍ مُتَحابِّي، بغيةَ الوُصولِ إلى سلامٍ عالميٍّ يَنعمُ به الجميعُ في هذه الحياةِ.”
البابا لاوون الرابع عشر، وكما ينقل عنه زوار حاضرة الفاتيكان، من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والبطريرك الماروني إلى عدد من المطارنة، يريد أن تكون زيارته لهذا البلد المميز زيارة حج ورجاء وسلام، خصوصًا أن هذه السنة هي سنة يوبيلية بعنوان “حجاج الرجاء”.
المؤشرات التي يعود بها زوار حاضرة الفاتيكان تؤكد أن هذه الزيارة لن تكون رعوية فقط، على أهمية طابعها الكنسي، بل ستكون سياسية بامتياز بالمعنى غير التقليدي للمفهوم السياسي العام المتعارف عليه لبنانيًا، على أن تترجم واقعيًا هواجس الفاتيكان حيال ما شهدته السنوات الأخيرة من ضمور الحضور المسيحي في كل من سوريا والعراق بعد موجة التطرّف الديني، التي طبعت هذه المرحلة، والتي استهدفت الوجود المسيحي في هاتين الدولتين المشرقيتين.
فلبنان بالنسبة إلى الفاتيكان هو البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، الذي لا يزال الوجود المسيحي فيه علامة فارقة ومشعّة، على رغم ما لدى دوائر الفاتيكان من مآخذ كثيرة على طريقة عيش القيم الانجيلية، وذلك نتيجة الخلافات السياسية العميقة بين المكونات السياسية المسيحية، إضافة إلى حال التراخي التي تعيشها الكنيسة الكاثوليكية عامة وبكل فروعها الايمانية، وذلك استنادًا إلى كمّ هائل من التقارير الواردة من لبنان إلى الدوائر المعنية في الفاتيكان، وفيها الكثير من المعطيات، التي تدفع قداسة الحبر الأعظم إلى توجيه أكثر من تنبيه إلى الرؤساء التسلسليين للكنائس التابعة حبريًا للكرسي الرسولي، خصوصًا أن من بين هذه المعطيات الكثير من الملامة عن ممارسات لا رابط بينها وبين تعاليم السيد المسيح في ما له علاقة مباشرة بين الكنيسة والناس، ولاسيما في مجالي التربية والصحة. فالمسؤولية كبيرة. وهذا ما يجب أن يلحظه أي إجراء احترازي في المستقبل لمعالجة أي خلل في البنيتين التربوية والصحية، وبالأخصّ بالنسبة إلى العائلات الأقلّ حظًًّا من غيرهم، وتلافيًا لموجات الهجرة المسيحية نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
فإذا لم يعد المسيحيون إلى لعب دورهم التاريخي كعنصر توازن في الدولة اللبنانية فإن انكفاءهم يعني سقوط فكرة لبنان الرسالة. وهذا الواقع يدركه قداسة الحبر الأعظم، وهذا ما سيركّز عليه في عظاته وفي لقاءاته.
فما سيحمله البابا لاوون معه إلى اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، ينبع من صلب إيمان الكرسي الرسولي بالنسبة إلى هوية لبنان السياسية. فلبنان في نظر الفاتيكان سيبقى واحة سلام وتلاقي الديانات السماوية والحضارات. وهذا الأمر لن يتحقق إلا إذا حيّد اللبنانيون أنفسهم عن مشاكل المنطقة الكثيرة والمعقدّة.
وفي الانتظار سيبقى لبنان معلقًا على حبل هواء الاعتداءات الإسرائيلية اليومية، وعلى إصرار البعض على ربط ساحته بالساحات الإقليمية، وعلى الأخبار المقلقة عن إمكانية تدهور الوضع العسكري في شكل دراماتيكي.
فالزيارات البابوية للبنان ليست كسائر الزيارات الأخرى، خصوصًا أن لهذا البلد الصغير ميزة غير متوافرة في أي بلد آخر. وهذه الميزة، لو اُحسن استخدامها إيجابًا، لكادت تكون المثال، الذي يجب أن يُحتذى في كل أقطار المسكونة. وهذا ما قصده البابا القديس يوحنا بولس الثاني عندما رفع لبنان من مستوى وطن عادي كسائر الأوطان في العالم إلى مستوى أسمى وأرقى، واصفًا إياه بأنه بلد رسولي. وهذا ما شدّد عليه البابا بندكتوس السادس عشر، وكذلك فعل البابا فرنسيس عندما وقّع في أبو ظبي مع شيخ الأزهر الشريف أحمد أبو الطيب وثيقة “الأخوة الإنسانية”، التي استوحت من التجربة اللبنانية الفريدة الكثير من المبادئ القابلة للتطبيق وغير النظرية، ولا سيما ما جاء في ختام هذه الوثيقة من دعوة لكي تكون “شِهادةً لعَظَمةِ الإيمانِ باللهِ الذي يُوحِّدُ القُلوبَ المُتفرِّقةَ ويَسمُو بالإنسانِ، ورمزًا للعِناقِ بين الشَّرْقِ والغَرْبِ، والشمالِ والجنوبِ، وبين كُلِّ مَن يُؤمِنُ بأنَّ الله خَلَقَنا لنَتعارَفَ ونَتعاوَنَ ونَتَعايَشَ كإخوةٍ مُتَحابِّي، بغيةَ الوُصولِ إلى سلامٍ عالميٍّ يَنعمُ به الجميعُ في هذه الحياةِ.”
البابا لاوون الرابع عشر، وكما ينقل عنه زوار حاضرة الفاتيكان، من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والبطريرك الماروني إلى عدد من المطارنة، يريد أن تكون زيارته لهذا البلد المميز زيارة حج ورجاء وسلام، خصوصًا أن هذه السنة هي سنة يوبيلية بعنوان “حجاج الرجاء”.
المؤشرات التي يعود بها زوار حاضرة الفاتيكان تؤكد أن هذه الزيارة لن تكون رعوية فقط، على أهمية طابعها الكنسي، بل ستكون سياسية بامتياز بالمعنى غير التقليدي للمفهوم السياسي العام المتعارف عليه لبنانيًا، على أن تترجم واقعيًا هواجس الفاتيكان حيال ما شهدته السنوات الأخيرة من ضمور الحضور المسيحي في كل من سوريا والعراق بعد موجة التطرّف الديني، التي طبعت هذه المرحلة، والتي استهدفت الوجود المسيحي في هاتين الدولتين المشرقيتين.
فلبنان بالنسبة إلى الفاتيكان هو البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، الذي لا يزال الوجود المسيحي فيه علامة فارقة ومشعّة، على رغم ما لدى دوائر الفاتيكان من مآخذ كثيرة على طريقة عيش القيم الانجيلية، وذلك نتيجة الخلافات السياسية العميقة بين المكونات السياسية المسيحية، إضافة إلى حال التراخي التي تعيشها الكنيسة الكاثوليكية عامة وبكل فروعها الايمانية، وذلك استنادًا إلى كمّ هائل من التقارير الواردة من لبنان إلى الدوائر المعنية في الفاتيكان، وفيها الكثير من المعطيات، التي تدفع قداسة الحبر الأعظم إلى توجيه أكثر من تنبيه إلى الرؤساء التسلسليين للكنائس التابعة حبريًا للكرسي الرسولي، خصوصًا أن من بين هذه المعطيات الكثير من الملامة عن ممارسات لا رابط بينها وبين تعاليم السيد المسيح في ما له علاقة مباشرة بين الكنيسة والناس، ولاسيما في مجالي التربية والصحة. فالمسؤولية كبيرة. وهذا ما يجب أن يلحظه أي إجراء احترازي في المستقبل لمعالجة أي خلل في البنيتين التربوية والصحية، وبالأخصّ بالنسبة إلى العائلات الأقلّ حظًًّا من غيرهم، وتلافيًا لموجات الهجرة المسيحية نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
فإذا لم يعد المسيحيون إلى لعب دورهم التاريخي كعنصر توازن في الدولة اللبنانية فإن انكفاءهم يعني سقوط فكرة لبنان الرسالة. وهذا الواقع يدركه قداسة الحبر الأعظم، وهذا ما سيركّز عليه في عظاته وفي لقاءاته.
فما سيحمله البابا لاوون معه إلى اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، ينبع من صلب إيمان الكرسي الرسولي بالنسبة إلى هوية لبنان السياسية. فلبنان في نظر الفاتيكان سيبقى واحة سلام وتلاقي الديانات السماوية والحضارات. وهذا الأمر لن يتحقق إلا إذا حيّد اللبنانيون أنفسهم عن مشاكل المنطقة الكثيرة والمعقدّة.
وفي الانتظار سيبقى لبنان معلقًا على حبل هواء الاعتداءات الإسرائيلية اليومية، وعلى إصرار البعض على ربط ساحته بالساحات الإقليمية، وعلى الأخبار المقلقة عن إمكانية تدهور الوضع العسكري في شكل دراماتيكي.

