الوفد، الذي ضم مسؤولين من البيت الأبيض ووزارة الخزانة ومجلس الأمن القومي، حمل معه مقاربة أميركية جديدة تقوم على الضغط المالي والسياسي معاً، بما يوازي ما تسميه واشنطن الفرصة التاريخية لإضعاف نفوذ حزب الله داخل لبنان بعد التطورات الإقليمية الأخيرة.
ووفق مصادر مطلعة على مضمون المحادثات، فإن وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، جون هيرلي، كان الأكثر صراحة في مواقفه، إذ كشف في حديث لوكالة رويترز أنّ إيران نجحت هذا العام في تحويل نحو مليار دولار إلى حزب الله رغم سلسلة العقوبات الغربية التي أنهكت اقتصادها، لكنه رأى أن اللحظة الراهنة قد تكون مؤاتية لقطع هذا الشريان المالي. وأضاف أنّ الولايات المتحدة مستعدة لدعم لبنان اقتصادياً إذا أبدى التزاماً واضحاً بالإصلاحات وبضبط السلاح خارج إطار الدولة.
الموقف نفسه كرّره السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام من واشنطن، إذ تحدث عن انقسام داخل الطائفة الشيعية، مشيراً إلى أنّ نحو نصفها يريد أن تكون الأسلحة الثقيلة بيد الجيش اللبناني. ولم يتردد غراهام في القول إنّ إسرائيل لن تقبل ببقاء حزب الله مسلّحاً، داعياً اللبنانيين إلى نزع سلاح الحزب تمهيداً لدمج لبنان في المنطقة، خصوصاً في ضوء الحديث المتصاعد عن احتمال انضمام السعودية إلى الاتفاقيات الإبراهيمية خلال العام المقبل.
في المقابل، بدا واضحاً من أجواء قصر بعبدا أنّ الرئيس العماد جوزاف عون حرص على وضع الزيارة في إطارها التقني والمالي لا السياسي، فأكد أمام الوفد الأميركي أنّ لبنان يلتزم بدقّة الإجراءات المعتمدة لمنع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وأنه لا تهاون في ملاحقة أي جريمة مالية مهما كان نوعها. كما استعرض الرئيس الإصلاحات الجارية، من تعديل قانون السرّية المصرفية إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وصولاً إلى مشروع قانون الفجوة المالية الذي تعمل عليه الحكومة سعياً لتنظيم الوضع المالي واستعادة الثقة بالنظام الاقتصادي.
لا شك أن التمويل الإيراني يشكل الركيزة الأساسية التي يقوم عليها حزب الله في دعم عملياته العسكرية وتنظيمه الداخلي. وفي حال تراجع هذا التمويل، ستنعكس الأزمة، كما يقول أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور محمد موسى لـ”لبنان24″، بصورة مباشرة على القدرات اللوجستية والتسليحية للحزب، إذ ستتأثر عمليات شراء الأسلحة وصيانة العتاد وتمويل المقاتلين، كما ستتقلص قدرته على استقطاب مجندين جددا أو الحفاظ على مستوى التدريب الحالي، ما قد يفرض إعادة هيكلة داخلية تهدف إلى تقليص الأعباء المالية.
ويرجح موسى أن يلجأ الحزب إلى نشاطات اقتصادية موازية، بما في ذلك التجارة بمختلف أشكالها، لتعويض النقص المالي، وفق ما يتداوله الإعلام الغربي، وهو ما قد يؤدي إلى تحول في طبيعة الحزب التنظيمية، ويدفعه بحسب الرؤية الغربية التي لا يتبناها موسى، نحو منطق المافيا الاقتصادية على حساب دوره العقائدي المقاوم.
وترى واشنطن في المرحلة الراهنة فرصة سياسية واقتصادية للحد من نفوذ حزب الله، في ظل الأزمات المتشابكة التي يواجهها كل من لبنان وإيران. ويتوقف مدى نجاح هذه الفرصة، بحسب موسى، على قدرة الولايات المتحدة على تنسيق الضغوط المالية والإقليمية بالتعاون مع حلفائها، لا سيما في تركيا والإمارات وإسرائيل. ومع ذلك، يبقى تحقيق النجاح الشامل أمراً محدوداً طالما أنّ الساحة اللبنانية الداخلية غير متوافقة حول مشروع نزع سلاح الحزب، وطالما أنه يحتفظ بقاعدة شعبية معتبرة في مناطق نفوذه.
ويشير موسى إلى أنّ الأنظمة المالية الإقليمية تلعب دوراً محورياً في ضبط أو تمرير التمويل الإيراني الموجه إلى حزب الله. ففي حال تعاون تركيا والإمارات تعاوناً كاملاً مع واشنطن، يمكن تجفيف جزء كبير من قنوات التحويل المالي التي تمر عبر شركات الصرافة أو المؤسسات المالية الخاصة. أما إذا اقتصر التعاون على المستوى الشكلي أو الجزئي، فقد تستمر عمليات التحويل عبر قنوات غير رسمية كشبكات الحوالات أو العملات الرقمية. لذا، يرتبط نجاح الحملة الأميركية بمدى التزام هذه الدول بتطبيق معايير الامتثال المالي وملاحقة الوسطاء الذين يسهلون تمرير الأموال، وهي مهمة شديدة التعقيد، إذ إن سن القوانين أمر ميسور، أما تطبيقها الفعلي فيواجه عقبات لا تنتهي.
وبناءً عليه، قد تتمكن واشنطن من تضييق الخناق المالي على الحزب، إلا أنّها لن تستطيع، وفق موسى، إحداث تغيير جذري في موازين القوى من دون تسوية لبنانية داخلية مدعومة بإطار إقليمي متكامل.
أما اقتصادياً، فقد تؤدي العقوبات وتشديد الرقابة المالية إلى نشوء حالة من الانكماش في بعض القطاعات المعتمدة على التحويلات أو التمويل غير الرسمي، ما يفاقم من تدهور العملة الوطنية ويرفع معدلات البطالة والفقر. وهنا يستعيد موسى ما قيل قبيل عام 2019، وكرّره كل من البطريرك الماروني بشارة الراعي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، من أنّ الأضرار الناتجة عن العقوبات ستصيب مجمل البلاد لا فئة محددة، خلافاً لما تراهن عليه واشنطن.
سياسياً، قد يفضي تراجع الموارد المالية للحزب إلى إعادة رسم التحالفات الداخلية، وقد تسعى بعض القوى إلى استثمار هذا الضعف لفرض توازنات جديدة. غير أن المخاطر تكمن في أن أي تراجع مفاجئ للحزب، من دون بديل أمني فعال، قد يفتح المجال أمام فوضى داخلية أو مواجهات محدودة في بعض المناطق، بما ينذر بانزلاق غير محسوب.
ومن المحتمل أن يؤدي تجفيف مصادر التمويل إلى إضعاف قدرة الحزب على تمويل أنشطته العسكرية والسياسية، ما قد يحد من حضوره في المشهد اللبناني ويضعه أمام تحدّيات بنيوية في الحفاظ على نفوذه. غير أن هذا التحول في موازين القوى لن يكون آلياً، لأن الحزب لا يستند فقط إلى الموارد المالية، بل أيضاً إلى منظومة متشابكة من القوة العقائدية والعلاقات الاجتماعية وشبكة الخدمات التي يقدمها لجمهوره.
وبين تشدد واشنطن في ملف تمويل حزب الله وسعيها إلى ضبط ميزان القوى في لبنان، وبين حرص بعبدا على تأكيد التزام لبنان بالإصلاحات المالية والاقتصادية، تبدو زيارة الوفد الأميركي، الذي سيلتقي اليوم رئيس الحكومة نواف سلام، مزيجاً من التحذير من بقاء لبنان رهينة السلاح والتمويل غير الشرعي، ومن التطمين بأن الدعم الأميركي لا يزال قائماً إذا أثبتت الدولة قدرتها على الإمساك بزمام المبادرة.
في المحصلة، جاءت زيارة الوفد الأميركي لتؤكد أن ملف حزب الله، سواء في أبعاده العسكرية أو المالية، يبقى المحور الذي تتحرك حوله السياسة الأميركية في المرحلة المقبلة، فيما يحاول لبنان الرسمي تقديم نفسه كشريك موثوق في الحرب على الإرهاب وكدولة تسعى لاستعادة انتظامها المالي والسياسي وسط عواصف المنطقة المتشابكة.
المصدر: Lebanon24
أصدر وزير الزراعة الدكتور نزار هاني قرارًا قضى "بتفعيل المركز الزراعي في بلدة برالياس -…
افتتح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اعمال الدورة العادية الثامنة والخمسين لمجلس البطاركة…
أصدر وزير الزراعة نزار هاني قرارا قضى بتفعيل المركز الزراعي في بلدة برالياس - قضاء…
جديد ملف هانيبال القذافي.. مراسلتنا توافينا بالمستجدات المصدر: AlJadeed
علم أنّ هنيبعل القذافي الذي سدّد الكفالة المالية المتوجبة عليه والبالغة 80 مليار ليرة تستكمل…
أفادت معلومات الجديد، أن "الفريق القانوني لهنيبعل القذافي يقوم في هذه الأثناء بتسديد الكفالة المالية…