بدأ العدّ العكسي لزيارة البابا لاون الرابع عشر التاريخية إلى لبنان (بين 30 تشرين الثاني و2 كانون الأول)، والأولى الرسولية لقداسته منذ بدء حبريته في 18 أيّار الفائت، والتي تحمل شعار “طوبى لفاعلي السلام”. وتسير التحضيرات اللوجيستية والروحية لهذه الزيارة المرتقبة على قدم وساق، على أن تنتهي بشكلٍ نهائي قبل أسبوع من موعد الزيارة. ويؤمل منها أن تقود لبنان الجريح إلى السلام الفعلي والى المصالحة الحقيقية، وينهمك لبنان حالياً بشبابه وشيبه، والمسيحيون فيه بشكلٍ خاص بزيارة الحبر الأعظم الجديد.
كتبت دوللي بشعلاني في” الديار”: تأتي زيارة البابا تحت شعار “طوبى لفاعلي السلام”، لتحمل رسالة السلام والمصالحة والرجاء للشعب اللبناني ككلّ، على ما يقول المسؤول الليتورجي عن زيارة البابا لاون 14، الراهب اللبناني الأب هاني مطر وهي التي كان سيقوم بها البابا فرنسيس بها قبل وفاته. الأمر الذي دفع البابا لاونالى تنفيذ رغبة سلفه، لكن لديه رغبة خاصة أيضاً بزيارة لبنان بعد كل ما حصل، ليقول للبنانيين إنّه إلى جانبهم، ولكلّ العالم من خلال زيارته هذه، إنّ “لبنان خطّ أحمر ممنوع المساس به”.
عن محطات هذه الزيارة التي ينتظرها اللبنانيون بصبر نافد، والكلمات التي سيلقيها الحبر الأعظم خلالها، يوضح الأب مطر بأنّه يتخلّلها 11 محطة، يلقي خلالها قداسته 4 كلمات أساسية، فضلاً عن العظة خلال احتفاله بالقدّاس الإلهي قبل مغادرته لبنان. ويصل البابا عند الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم الأحد في 30 تشرين الثاني الجاري إلى مطار بيروت الدولي، حيث سيكون هناك استقبال رسمي لقداسته. ينتقل بعدها إلى القصر الجمهوري حيث سيلتقي رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برَي، ورئيس مجلس الوزراء نوّاف سلام، كلّ على حِدة.
من ثمّ يعقد لقاء مع كلّ السياسيين في لبنان من وزراء ونوّاب ورؤساء أحزاب، والسلك الديبلوماسي. وسيلقي قداسته كلمة سياسية، يُمكن اعتبارها الرسالة الأساسية التي سيُوجّهها إلى لبنان، ويحدّد خلالها أسباب زيارته وما الذي يريده من هذا البلد على الصعيدين السياسي والاجتماعي. ولن يتحدّث قداسته بعد ذلك في السياسة، إنّما ستقتصر كلماته على البُعد الروحي. ولا أحد يعلم حتى الساعة، ما الذي ستتضمّنه كلمة البابا السياسية من عناوين، ولا يمكن التكهّن بمضمونها، لأنّ الفاتيكان لا يوزّع كلمات قداسته قبل إلقائها.
عند التاسعة والنصف من صباح يوم الإثنين في 2 كانون الأول، على ما يتابع الأب مطر، سيزور قداسة البابا، ضريح الفدّيس شربل في دير مار مارون- عنّايا، وهي الزيارة الأولى لبابا إلى هذا الدير حيث سيُصلّي صلاة خاصّة. ثم يتوجّه إلى بازيليك سيدة حريصا للقاء البطاركة والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات الكاثوليك وكلّ الجمعيات الكاثوليكية في لبنان. وهو لقاء روحي تتلى خلاله الصلوات. ويُلقي الأب الأقدس خلاله كلمة توجيهية روحية لكلّ الإكليروس المسيحي الكاثوليكي في الشرق.
بعده، سيجتمع قداسته على مأدبة الغداء مع البطاركة الكاثوليك، وسيكون له لقاء خاص مع رؤساء الكنائس الكاثوليكية في السفارة البابوية. بعد الظهر، يعقد لقاء يجمعه بجميع رؤساء الطوائف اللبنانية (17 أو 18 طائفة) وممثلي الحوار الإسلامي – المسيحي والحوار المسكوني في ساحة الشهداء في بيروت. وقد أكّد الجميع على حضورهم هذا اللقاء مع قداسته.
بعد ذلك، يعود البابا إلى البطريركية المارونية في دير بكركي، حيث سيلتقي الشبيبة المسيحية الكاثوليكية عند السادسة إلّا ربعاً في ساحة الصرح البطريركي. وسيتناول هذا اللقاء هموم الشبيبة اللبنانية التي سيتمّ طرحها من قبلهم على قداسته، وسيعبّرون عن مشاكلهم أمامه، وسيفكّر معهم فيها.
من ثمّ يعود إلى السفارة البابوية للراحة. وبالنسبة لإيجاد البابا الحلول لمشاكل الشبيبة من عدم القدرة على التعلّم في المدارس أو الجامعات الخاصّة، أو عدم إيجاد فرص العمل في لبنان وسوى ذلك، يلفت الأب مطر إلى أنّ قداسته لا يملك عصا سحرية. والحلول لهذه المشاكل ليست عند البابا، يقول الاب مطر ، غير أنّ أهمية لقاء الشبيبة يتمحور حول الكلام الروحي الذي سيُحدّث الشباب اللبناني به، وهو كلام تشجيعي يُعطيهم الأمل. فزيارة قداسته ترتكز على الرجاء والمصالحة والآمال التي سنضعها بمستقبلنا. سيقول لهم البابا إنّه “علينا ارساء السلام في لبنان، ولكن علينا أيضاً إجراء المصالحة من خلال هذا السلام. لدينا رجاء”. أمّا الحلول فليست عند البابا، ولا عند الدولة اللبنانية، ولا أي دولة في العالم تستطيع إيجادها لكلّ مشاكلها. الأمور تحتاج إلى خطوات عملية على صعيد الدولة والى الوقت لأنّ المشاكل لا تُحلّ بين ليلة وضحاها.
أما يوم الثلاثاء في 2 كانون الأول، فيزور قداسته صباحاً، دير مستشفى راهبات الصليب في جلّ الديب. وفي هذا اللقاء، سيطّلع قداسته عن كثب على معاناة الأشخاص الذين يعانون من حالات نفسية أو جسدية معيّنة، ولكي يشجّعهم على أن يكون لديهم الأمل في الحياة… وبالتالي فإنّ القرب من آلام الناس ووجعهم ومشاكلهم، أمر مهم جدّاً. وهذا اللقاء لن يدوم طويلاً، لكنه يحمل لمسة عاطفية وأبوية ملؤها الأمل والرجاء لهؤلاء الأشخاص.
من ثمّ يتوجّه البابا إلى موقع انفجار مرفأ بيروت حيث سيُصلّي صلاة صامتة أمام نصب الشهداء عن أرواحهم، كما على نيّة الأشخاص الذين لا يزالون مجروحين. كما سيلتقي بأهالي الضحايا الموجوعين ويكون لديه لفتة خاصّة لهم.
وعند العاشرة والنصف صباحاً، يحتفل البابا لاون 14 بالقدّاس الإلهي في “الواجهة البحرية لبيروت”، على ما يتابع الأب مطر، أمام مسيحيي لبنان. ويُشكّل هذا القدّاس المحطّة الجوهرية والأساسية في هذه الزيارة. ويستطيع المؤمنون من سائر الطوائف المشاركة فيه، “أهلاً وسهلاً بالجميع”. ويتوقّع حضور 150 ألف شخص. والتحضيرات تجري حالياً في الموقع لتجهيزه، ونصب المذبح، ووضع الديكورات الخ… على أن تنتهي الأعمال نهائياً قبل أسبوع من موعد الزيارة. ويشير الأب مطر إلى أنّ تأكيد حضور القدّاس من قبل المواطنين حصل عبر لينك خاص في جميع الرعايا والأبرشيات. وكلّ ما يجري حالياً هو لضبط الأمور، ولجعل كلّ شيء مرتّبا، ويليق باستقبال اللبنانيين للبابا.
أمّا شكل المذبح والكرسي التي سيجلس عليها قداسته، والأمور التفصيلية الأخرى، فيجري العمل عليها، على أن تكون مميزة عمّا جرى في السابق. فالفكرة جديدة وجميلة. في ما المذبح سيُشيّد وفق المقاييس المعتمدة من قبل الفاتيكان، والتي نحن ملزمون بالتقيّد بها. وعن علاقة البابا لاون باللبنانيين، يشدّد الأب مطر، على أنّها علاقة قديمة جدّاً تعود إلى ما قبل تعيينه بطريركاً وكاردينالاً وقبل انتخابه بابا. فقداسته يعرف اللبنانيين معرفة جيّدة من الأميركيتين ولا سيما من أميركا اللاتينية، ولديه علاقات شخصية معهم. وشجّع الأب مطر اللبنانيين على استقبال البابا بحفاوة لكي يبرهنوا عن محبتهم له، سيما أنّه من خلال زيارته يأتي ليقول لهم “إنّني إلى جانبكم بكلّ محبّتي ومن كلّ قلبي، وآتي لزيارتكم كأب لكم”. فهل ما بعد زيارة البابا لاون 14 إلى لبنان سيكون مختلفاً عمّا قبلها، في ظلّ الخشية من تدهور الوضع الأمني في لبنان؟ يجيب الأب مطر “البابا يضغط بقوّته المعنوية وبعلاقاته الدولية في هذا المجال من خلال موقعه كبابا، بصفته رئيس دولة معنوية وليس عسكرية، ليعمّ السلام الحقيقي الدائم، ولتتوقّف الحرب نهائياً في لبنان”. وهذه الكلمة سيقولها خلال وجوده بيننا بطريقة رسمية وحاسمة.
المصدر: Lebanon24