مع انهيار القطاع المالي وتراجع قيمة الليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق، وجد المصنعون اللبنانيون أنفسهم أمام واقع جديد. تحولت الصادرات إلى مصدر دخل أساسي، وأصبح المنتج المحلي منافساً قوياً للمنتجات المستوردة. هذا التحول أجبر المصانع على إعادة تقييم استراتيجياتها، والتركيز على الإنتاج الذي يلبي حاجة السوق المحلية ويتميز بجودة عالية.
شهدت هذه الفترة نمواً في الصناعات الغذائية والمشروبات بشكل خاص، حيث زاد الطلب على المنتجات اللبنانية مثل الأجبان، الألبان، والمعلبات، بسبب ارتفاع أسعار المستوردات. كما برزت الصناعات الدوائية كقطاع حيوي، مع تزايد الحاجة إلى الأدوية المحلية الرخيصة التي أثبتت جودتها وفعاليتها.
لم يكن التطور سهلاً. واجهت الصناعة اللبنانية تحديات جمة، أبرزها نقص الطاقة الكهربائية وارتفاع أسعار المحروقات، مما أدى إلى زيادة التكاليف التشغيلية. كما أثرت الأزمة المصرفية على قدرة المصانع على استيراد المواد الأولية، مما دفعها للبحث عن بدائل محلية أو إيجاد حلول مبتكرة للتمويل.
في هذا السياق، شهدنا ظهور مبادرات جديدة تركز على التصنيع اللبناني المستدام والاعتماد على الموارد المحلية. بدأت بعض المصانع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية، لضمان استمرارية الإنتاج. هذا التوجه نحو الاستدامة لم يكن فقط ضرورة اقتصادية، بل أصبح أيضاً ميزة تنافسية، ترفع من قيمة المنتج اللبناني في الأسواق الخارجية.
لطالما كان التصدير جزءاً مهماً من الاقتصاد اللبناني، لكن في السنوات الخمس الماضية، أصبح المحرك الأساسي للنمو. أصبحت العديد من المنتجات اللبنانية، من المنسوجات إلى الأدوات المنزلية، مرغوبة في أسواق المنطقة والعالم. استفادت المصانع من قيمة الليرة المنخفضة لتقديم أسعار تنافسية، بينما حافظت على جودة عالية تضاهي المنتجات الأوروبية.
لتعزيز هذه الميزة، ركزت العديد من الشركات اللبنانية على تطوير قدراتها التصديرية من خلال المشاركة في المعارض الدولية والترويج لمنتجاتها عبر الإنترنت. أصبح “صنع في لبنان” علامة جودة وثقة، تجذب المستهلكين الذين يبحثون عن منتجات فريدة وحرفية.
على الرغم من النجاحات، لا يزال أمام القطاع الصناعي اللبناني طريق طويل. يتطلب الاستمرار في النمو استثمارات في البنية التحتية، وتسهيلات مصرفية، ودعم حكومي للبحث والتطوير. يبقى التحدي الأكبر هو جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وخلق بيئة مستقرة تشجع على الإنتاج طويل الأجل.
في الختام، قصة الصناعة في لبنان خلال السنوات الخمس الماضية هي قصة عن العزيمة والإصرار. إنها دليل على أن الابتكار يمكن أن يزدهر حتى في أحلك الظروف. مع استمرار هذا الزخم، يمتلك القطاع الصناعي القدرة على أن يصبح عماداً للاقتصاد اللبناني، وقوة دافعة لإعادة بناء البلاد.