27 أكتوبر 2025, الأثنين

” حزب الله” ليس وحده المستهدف ولبنان يتمسك بـ”الميكانيزم”

Doc P 1434419 638971404970235498
كتبت ميسم رزق في” الاخبار”: في الأيام الأولى لما بعد الحرب كان الهدف واضحاً: إنتاج سلطة تنفيذية تستجيب للوصاية الأميركية، بجدول أعمال يبدأ بنزع سلاح المقاومة. وفعلاً، جاءت النتائج السياسية الأولى سريعاً: انتخاب عون، وتسمية نواف سلام لتشكيل الحكومة، ثم سلسلة قرارات استهدفت تقويض شرعية المقاومة، ولا سيما في جلستَيْ 5 و7 آب الشهيرتين.
واستطاعت الآلة الإعلامية المُكلّفة بخدمة هذا المشروع أن تُبقي كلّ الملفات الأخرى في الهامش، وكأن ليس في لبنان سوى سلاح حزب الله!
تدريجياً، انكشفت الأهداف الحقيقية: ليس حزب الله وحده المُستهدف، بل لبنان ككيان، شأنه شأن سوريا ودول أخرى يرى فيها العدو تهديداً يجب تحييده ولو أدّى ذلك إلى خرابها. وفي الداخل، هناك مسؤولون وقادة تراودهم الأحلام بالفيدرالية ودويلة الحوض الخامس، ويدركون أبعاد هذا المشروع ويعملون لتحقيقه، ويرسمون لـِ«لبنانهم» كانتوناً يمتدّ من كفرشيما إلى المدفون، وهم واعون تماماً لما تصبو إليه إسرائيل من المفاوضات المطلوبة: شرعنة الاحتلال، اقتطاع أجزاء من الوطن، وتحويله إلى جزر طائفية متقاتلة. ومن يتتبّع تصريحات المسؤولين الأميركيين، وما ينقله الموفدون الأجانب والعرب إلى بيروت بشأن «المفاوضات المطلوبة» مع العدو، يتضح أن المطلوب من سوريا مطلوبٌ من لبنان أيضاً. في لبنان، تدرك تل أبيب جيداً هلوسات خصوم الحزب وكلامهم عن هزيمته، وتعلم أن الحرب على حزب الله لم تُنهِه، بل أعادت تشكيله، وهو في طور إعادة ترتيب بيته الداخلي، واستعادة زخمه التنظيمي، وتطوير بنيته العقائدية والميدانية. وبناءً على ذلك، تستعجل الوصول إلى اتفاق وفق الظروف الراهنة.
بعد كل حرب، تسعى إسرائيل من خلال المفاوضات إلى تحقيق أهداف قد تكون عجزت عن بلوغها بالعمليات العسكرية، وتتصرّف دوماً كما لو أنها الطرف المنتصر الذي يُملي شروطه، حتى وإن تعثّرت في تحقيق بعض هذه الأهداف. الكارثة تكمن في تجاهل صمود المقاومة في الميدان والهرولة نحو اتفاق هو الأسوأ من نوعه على الإطلاق. فقد تخلّى لبنان عن نقطتين أساسيتين كانتا ركيزتين أساسيتين في أيّ تفاهم سابق: أولاً، وقائع الميدان التي أعادت تحقيق توازن نسبي دفع رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، حسب اعتراف المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين، إلى طلب وقف إطلاق النار؛ ثانياً، وجود رعاية دولية تمنع الاستفراد بلبنان. في المقابل، خضعت سلطة ما قبل الحرب للمطالب الأميركية ووافقت على إخراج إيران من حلبة التفاوض. اليوم تسعى إسرائيل لتحصيل أكثر مما نالته في اتفاق تشرين الثاني 2024، عندما حصلت على «ضوء أخضر» من الولايات المتحدة للتصرّف بحريّة، فاستغلّت التزام المقاومة بالاتفاق وفرضت ردعاً أُحادياً تُترجمه يومياً باغتيالات وتدمير واستباحة للأجواء اللبنانية. ولا علاقة لذلك بثقتها بأن الابتكارات التكنولوجية كفيلة بالقضاء على حزب الله من دون كلفة؛ فالمعادلة أعقد من أن تُحسم بتقنيات فحسب. حكومة نواف سلام تبدو بلا مهمة سوى تمهيد الطريق لمطالب إسرائيل، حتى إن بعض المخضرمين يصفونها بأنها أخطر حكومة ثلاثية لا ثلاثينية. إلى جانب نواف، يجلس وزراء على مستوى أممي، جُلبوا لخوض مفاوضات شاقّة تتجاوز الحدود اللبنانية، والحديث الحاسم اليوم يبدأ من التنازل عن مزارع شبعا باعتبارها سورية، ليكون تحصيلها من إدارة أحمد الشرع أسهل.
أمّا خارجياً، فالضغط يُمارس على مستويين: الأول سياسي، يقوده المبعوثون الأميركيون، من بينهم مورغان أورتاغوس التي تصل إلى بيروت غداً قادمة من إسرائيل للمطالبة بتوسيع لجنة «الميكانيزم» لتضم سياسيين لبنانيين وإسرائيليين، فتتحوّل المفاوضات إلى مباشرة كما يحصل في سوريا. والمستوى الثاني هو التهديد بعصا النار الإسرائيلية، سواء علناً أو عبر وسطاء. قبل أيام، صرّح أحد الأمنيين العرب أمام ضباط الأجهزة الأمنية بأن لبنان يوشك على الانزلاق إلى حرب طاحنة. قد تكون الحرب المحتملة، بالنسبة إلى إسرائيل وشركائها في اتفاقيات أبراهام، الوسيلة الوحيدة لإجبار لبنان على اتفاق مُذِلّ واستسلام كامل، من دون أي ضمانات لالتزامها بما قد تتعهّد به، استناداً إلى تجارب التفاوض السابقة. أما بالنسبة إلى آخرين، فهي السبيل الوحيد للخروج من مشهد الاستنزاف الراهن، إذ إن إسرائيل لن ترتدع إلا حين تبدأ بتكبّد الخسائر مجدّداً.  
وكتب ابراهيم حيدر في” النهار”: سيكون سقف “الميكانيزم” هو الفاصل في العمل على تنفيذ اتفاق وقف النار. لكن لبنان لن يستطيع الاستمرار في رفض أي شكل من التفاوض، وعليه تجنباً لمزيد من الضغوط أن يعلن موقفه، حتى وإن كانت إسرائيل لم تحدد موقفاً رداً على التفاوض مع لبنان، فتستمر في تصعيد عملياتها العسكرية ضد “حزب الله”.
التصعيد الإسرائيلي يدل على أن تل أبيب ترفع شروطها حول التفاوض وتبعث رسائل بالنار أنها ترفض الدخول في أي مفاوضات كما ترفض العودة بعد حربها التي استمرت 66 يوماً إلى قواعد الاشتباك السابقة أو الوضع الذي كان سائداً على الحدود قبل حرب الإسناد، وهذه السياسة يوافق عليها الأميركيون انطلاقاً من اعتبارهم أن الأمن الإسرائيلي أولوية، ولذا جاء كلام توم باراك الأخير ليحدد مساراً على لبنان سلوكه كطريق للحل، ويبدأ بـ”نزع” سلاح “حزب الله”، ثم الذهاب إلى التفاوض المباشر بتمثيل سياسي مع إسرائيل للاتفاق على تفاهمات أمنية وفق موازين القوى الحالية. لا شيء ينبئ حالياً بأن طريق التفاوض سالكة، وهذا الأمر يمنح الاحتلال مجدداً ذرائع لممارسة ضغوط عسكرية على لبنان ويحضّر الأرضية لتوسيعها من خلال تصريحات لقادة الاحتلال وتقارير تتحدث عن أن “حزب الله” يعيد بناء قدراته العسكرية، وشكاوى تزعم أن الحزب يخرق الاتفاق، وتهدد بشن حروب لنزع السلاح بالقوة.
وإلى أن يتسلم السفير الجديد ميشال عيسى مهماته في لبنان، فإن الأمور ستبقى تدور في حلقة مفرغة مع توسع الحرب الإسرائيلية واتخاذها أشكالاً متعددة ضد “حزب الله” قد تصيب البلاد مباشرة وتعطل خطط الحكومة.
أما إذا حدث خرق ما في ملف التفاوض، وتمكن الرؤساء الثلاثة من الاتفاق على صيغة وسطية بين التفاوض المباشر وغير المباشر، فحتى لو تم السير بها رسمياً، فإنه لا يمكن تطبيقها من دون موافقة “حزب الله” الذي ينتظر ما ستؤول إليه المفاوضات الإيرانية – الأميركية.

المصدر: Lebanon24