27 أكتوبر 2025, الأثنين

هذا ما تريده أميركا من لبنان

Doc P 1434469 638971515335591915 1
في ظل الأجواء الضبابية، التي يعيشها لبنان، فإن ما أكد عليه الرئيس نجيب ميقاتي في كلمته في  حفل افتتاح قسم غسيل الكلى في مستشفى المنية الحكومي من “اننا اليوم أمام فرصة تاريخية فلا نضيعها بالتلهي بطريقة مباشرة او غير مباشرة، بما لا يفيد، وبما يعيدنا إلى الوراء”، يبقى الأساس لأي تحرّك قد تقدم عليه السلطات اللبنانية، وذلك انطلاقًا من قوله بأن “الحل بين أيدينا، فلا نفتش عنه خارج الاطار التاريخي والجغرافي، وهو متاح من خلال مفاوضات فورية تنطلق من مضامين “اتفاق الهدنة”، الذي لا يزال ساري المفعول بقوة القانون الدولي، مع اجراء ما يلزم من ترتيبات لتحديثه ومواكبة للتطور، الذي شهدته منطقتنا، لكي يكون الاطار الذي يحفظ سيادتنا ويصون حدودنا، وينزع اي حجة أو ذريعة من عدو يتربص بنا شرا”.
وبالتوازي مع هذه المعادلة، التي دعا إليها الرئيس ميقاتي، الذي تحمّل لوحده على رأس حكومة تصريف الأعمال لأكثر من سنتين، مسؤولية عدم انهيار لبنان بالكامل، وتمرير هذه الحقبة الصعبة من تاريخ لبنان بأقل أضرار ممكنة، فإن المعلومات غير الرسمية، وعلى رغم شحّها، تشير إلى أن واشنطن تعمل من خلال قنوات التواصل الديبلوماسي مع كل من لبنان وإسرائيل على المضي في سياسة التهدئة، تزامناً مع تفعيل عمل لجنة “الميكانيزم”، في ظل الدعم الأميركي والدولي لخطة الجيش بشأن حصرية السلاح.
وعلى رغم بعض المواقف المشكّكة فإن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ماضٍ في ما هو مقتنع بأنه سيكون لمصلحة كل لبنان ضمن حدود السيادة والحوار الوطني، مع التركيز على الحوار الوطني لمعالجة ملف السلاح، والتشديد على أنّ الجيش يؤدّي دوره على أكمل وجه، ويُنفّذ ما جرى الاتفاق عليه في مجلس الوزراء في 5 و7 آب الماضي، ويُواصل عمله في تفكيك السلاح غير الشرعي في لبنان.
المهم الآن بالنسبة إلى المتابعين أن “عاصفة” توم برّاك قد أصبحت خارج التداول الداخلي في انتظار عودة الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس الاثنين، وبدء العد العكسي لمجيء السفير الأميركي الجديد، اللبناني الأصل، ميشال عيسى، مع ما يمكن أن تحمله الأولى من تعليمات أميركية جديدة، وما يمكن أن ينتهجه الثاني في تعاطيه مع الملف اللبناني الشديد التعقيد. ونسأل مع السائلين إذا كانت اورتاغوس ستعتمد على الكلام الأخير لبرّاك كأساس لمهمتها المتواصلة، أم أن لديها أي جديد يمكن أن يعطي المساعي الأميركية على خطّي بيروت – تل أبيب زخمًا جديدًا، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في استهدافاتها اليومية لعدد من القادة الميدانيين في “حزب الله”.
الثابت في السياسة الأميركية في المنطقة، على حدّ ما تقوله أوساط ديبلوماسية، أن لا عودة إلى الوراء، وأن ما تحقّق في قطاع غزة، على رغم هشاشة الوضع فيه، يجب أن يعمّ المنطقة بأسرها، وبالأخص الساحة اللبنانية، وذلك استنادًا إلى ما ينقله أكثر من زائر للعاصمة الأميركية، الذين يؤكدون أن الملف اللبناني سيكون التالي بعد تسوية غزة، ولكن من دون إغفال ما يمكن أن تبلغه الموفدة الأميركية إلى المسؤولين اللبنانيين عن حتمية حصر السلاح في أيدي القوى الشرعية اللبنانية دون سواها من قوى الأمر الواقع.
وفي اعتقاد كثيرين أن ما قاله برّاك كان موقفًا ممهدًّا لما ستليه من خطوات مطلوب من الحكومة اللبنانية اتخاذها قبل أن تصبح المعالجة في مكان آخر. وهذا الجو هو السائد حاليًا في واشنطن بالتزامن مع ما تبذله الولايات المتحدة الأميركية من مساعٍ للجم التهوّر الإسرائيلي.
فموضوع سلاح “الحزب” بدأ يتحرك من الباب الأميركي بعد قمة شرم الشيخ بدعوة بيروت إلى أن تقدم على خطوات جريئة، لأنه من الواضح أن “حزب الله” ليس في وارد التخلي عن مشروعه المسلح وهذا ما صرّح به مؤخرًا القيادي محمود قماطي، الذي كرّر مقولة عدم تخّلي “حزب الله” عن سلاحه مهما كانت الضغوطات كبيرة.
ويقابل إصرار “حزب الله” على الاحتفاظ بسلاحه إصرار أميركي موازٍ على مطلب حصر السلاح بيد الدولة وتعزيز المؤسسات، وأن الفرصة المتاحة اليوم أمام لبنان لن تكرّر، وذلك لإحداث تغيير شامل في سياسات النظام اللبناني للانضمام إلى الاتفاقات التي تخدم السلام في الشرق الأوسط عبر قمة شرم الشيخ والحوار بين إسرائيل والنظام الجديد في سوريا. فما تسعى إليه واشنطن هو إيجاد حل للملفات العالقة والتوتر بين لبنان وإسرائيل عبر مفاوضات بينهما، وإن غير مباشرة، وتقضي بوقف الأعمال العدائية وفق اتفاق 27 تشرين وترتيبات أمنية تفتح الباب أم انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب واستعادة الأمن والاستقرار على جانبي الحدود كما كان قبل الحرب الأخيرة.

المصدر: Lebanon24