ويبدو واضحاً أنّ تل أبيب لا تشعر بأي ضغط حقيقي عليها لضبط إيقاعها، بل إنّ الأميركيين يتفهمون دوافع هجماتها ويمنحونها حرّية الحركة.
من هنا، أتى ردّ فعل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بحجم خطورة الرسالة الإسرائيلية الدموية، فكان قراره بالطلب من الجيش التصدّي لأي توغّل إسرائيلي في الأراضي المحرّرة، وهو قرار يعكس تحولاً في نمط المقاربة الرسمية لملف الوضع الجنوبي، ويضع المؤسسة العسكرية أمام تحدّي مواجهة أي اعتداء بري جديد.
والأكيد أنّ خيار السلطة السياسية حتى الأمس القريب بألا يتصدّى الجيش للاعتداءات الإسرائيلية، بات يرتب عليهما معاً كلفة أكبر من تلك التي يمكن أن تتأتى من أي فعل ميداني، بمعزل عن الخلل في موازين القوى، إذ إنّ هيبة المؤسستين العسكرية والسياسية وصدقيتهما وسمعتهما وثقة الناس فيهما لم تعد تحتمل هذا النزيف المتواصل منذ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار قبل نحو عام، وبالتالي هناك الآن إمكانية لتحويل التهديد إلى فرصة لكي تستعيد الدولة بعضاً من رصيدها الذي خسرته في السياسة، إذا تمّ تنفيذ قرار عون بمواجهة أي توغّل إسرائيلي.
نفّذ جيش الاحتلال عملية القتل داخل مؤسسة رسمية هي البلدية التابعة لوزارة الداخلية، الأمر الذي يعني أنّ الرصاصات التي أطلقها الجنود الإسرائيليون لم تصب فقط المواطن المستهدف، وإنما أيضاً جسم الدولة وسيادتها وكرامتها ومعنوياتها.
ما حصل يؤشر إلى أنّ المنطقة الحدودية باتت مستباحة، بحيث إنّ أي مواطن يشتبه فيه الجيش الإسرائيلي يمكن أن يصبح مدرجاً على لائحة الإعدامات المزاجية.
إنّ الاعتداء الجديد تمّ غداة مسعى لخفض منسوب التوتر، من خلال جولة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس على المسؤولين اللبنانيين بعد زيارتها لتل أبيب، واجتماع لجنة «الميكانيزم» التي باتت تحاصرها تساؤلات جدّية حول جدوى مهمتها وحقيقة دورها في ظل أدائها غير المتوازن.
من شأن جريمة بليدا أن تدفع «حزب الله» وبيئته الشعبية إلى التمسك بالسلاح أكثر من أي وقت مضى، باعتباره مصدر الحماية الوحيد. إذ ما الذي يضمن، من وجهة نظرهما، ألا يصبح سيناريو قتل الموظف الأعزل إبراهيم سلامة خلال نومه هو المعتمد في كل مكان، بعد التخلّي عن السلاح وانكشاف لبنان بكامله أمام العدو الإسرائيلي؟

