كتب رضا صوايا في” الاخبار”: مغارة جعيتا”جوهرة لبنان الجيولوجية”تحوّلت في لحظةٍ إلى صالة أعراس، والمكان الذي لطالما ساده السكون، انتهكت حرمته بفرقةٍ موسيقية وطبلٍ و«دربّكة» وجموعٍ ترقص بلا وعي، في مشهدٍ كاد أن يستعيد مأسوية مشهد «تيتانيك».
فبعد إقفالٍ دام ثمانية أشهر، أعادت مغارة جعيتا فتح أبوابها أواخر تموز الماضي، بموجب اتفاقٍ «بالتراضي» بين وزارة السياحة وبلدية جعيتا، يخول الأخيرة «إدارة المرفق وتشغيله وصيانته مؤقتاً إلى حين إعداد دفتر شروطٍ للمزايدة لاختيار مستثمرٍ يتولى هذه المهمات». غير أنّ ثلاثة أشهر فقط كانت كافية لتحوّل هذا الاتفاق إلى فضيحة مدوّية، بعدما سمحت البلدية بإقامة سهرة زفاف داخل المغارة «من دون تقديم أي طلبٍ خطي لوزارة السياحة، ومن دون مشاركة أي من العقود أو ملخّص العائدات المالية للحدث، ومن دون التشاور مع النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور، كما يفرض العقد»، وفق بيان الوزارة.
وقبل الغوص في المخالفات القانونية، تجدر الإشارة إلى أن الحفل الصاخب كان يمكن أن ينقلب إلى مأساة. إذ يلفت رئيس النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور جوني طوق إلى أن «الممشى الذي كان يقف عليه عشرات المدعوين مثبّت بعواميد موضوعة في الحيطان، ولا يحتمل الرقص والنط»، وكان يمكن أن ينهار بمن عليه.
كذلك فإن الحد الأقصى لمعدلات ثاني أوكسيد الكربون CO2 المسموح بها هي ppm 5000، وفي حال تخطي هذا المعدل قد تحدث حالات اختناق أو فقدان للوعي. علماً أن معدلات ثاني أوكسيد الكربون في المغارة من دون زوار تصل إلى 2800 ppm، وترتفع مع وجود زوار إلى 4300 ppm، ولكن «ضمن جو هادئ. إذ إن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ترتفع في حالة الرقص والحركة الزائدة».
أما في ما يتعلق بتأثيرات الحفل على المغارة، فيلفت طوق إلى أن «الصوت يؤثر سلباً على المغارة وعلى الحيوانات التي تعيش داخلها من خفافيش وغيرها. كما إن الضجيج يؤدي إلى زعزعة الهوابط stalactites والصواعد Stalagmites. كذلك تتأثر هذه الأخيرة سلباً بارتفاع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون».
وزارة السياحة اكتفت في بيانها عقب انتشار الفضيحة بالإشارة إلى أنها «ستوّجه كتاب إنذار رسمياً إلى بلدية جعيتا، وتطلب التقيّد الكامل بالالتزامات التعاقدية والأخلاقية المتعلقة بإدارة وتشغيل مغارة جعيتا». إلا أن المسألة تتعدى مجرد الإنذار والجوانب الأخلاقية أو طلب التقيّد المستقبلي بموجبات العقد. فهنالك عقد موقّع بين البلدية وجهة خاصة (منظمي الحفل) مقابل بدل مادي بهدف إقامة حفل زفاف. وبالتالي فالمسألة تندرج في إطار قانون الشراء العام. وبحسب رئيس هيئة الشراء العام جان العلية، «كل عقد تبرمه البلدية في المبدأ كجهة شارية، ويترتب عليه نفقة أو إيراد يجب أن يخضع لقانون الشراء العام، لأن البلدية هي إحدى الجهات الخاضعة لهذا القانون». ولفت إلى أن «وزارة السياحة مرتبطة بعقد بالتراضي مع البلدية، وبحسب الوزارة فإن البلدية خالفت العقد. وبالتالي يمكن لوزارة السياحة طلب كافة المستندات، وأن ترتب نتائج قانونية في حال حصول مخالفة لبنود العقد. كما في إمكانها في حال ثبوت مخالفة لقانون الشراء العام أن تعلم النيابة العامة لديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام».
وفيما يشير بيان الوزارة إلى أن رئيس بلدية جعيتا وليد بارود «لم يقدم تفاصيل كاملة حول طبيعة النشاط ومضمونه»، قال بارود لـ«الأخبار» إنه لم يبلغ الوزارة خطياً، «لكنني أعلمت الوزيرة باتصالين قبل أسبوع من الحفل بالتفاصيل. حتى أنها اتصلت بي يوم الأحد لتستفسر عن عدد الحضور، وأنه بلغها أن العدد يقارب الـ 500 شخص وأن حفل كوكتيل سيقام في داخل المغارة. وأكدت لها أن العدد هو 120 شخصاً ولمدة 30 دقيقة فقط. وكان لديّ موعد مع المدير العام لوزارة السياحة لأقدم لها ملخصاً عن برنامج احتفالات عيد الميلاد الذي نجهزه، استناداً إلى تقييم الحفل. الجميع كان على علم!».
يقود ذلك إلى مفارقة مهمة. بيان الوزارة أشار إلى أن بلدية جعيتا هي من تتولى إدارة المغارة وتشغيلها وصيانتها، فيما يشير بارود إلى أن «البلدية تعاقدت بموجب اتفاق ثانوي مع شركة من الباطن لتشغيل وإدارة المرفق من دون استثماره، والدكتور العلية وافق على هذا التعاقد في حينه». وفي ما يتعلق بالحفل، فإن «الشركة المشغلة عقدت اتفاقاً مع منظمي الحفل وبالتالي لا ينطبق عليها قانون الشراء العام. أساساً في أصل التلزيم، لا ينطبق علينا الشراء العام بحسب المادتين 46 و47 من القانون». العلية من جهته، نفى «نفياً قاطعاً منح أي موافقة للبلدية للتعاقد مع شركة من الباطن، مؤكداً أن «على البلدية التقيد بمضمون العقد الموقّع بينها وبين وزارة السياحة، وما إذا كان يسمح لها بالتعاقد من الباطن، ولكن ضمن الحد المسموح به في العقد الأساسي. ولا يمكن لأحد أن يفلت من أحكام الشراء العام من خلال التعاقد من الباطن».ورغم أن العقد الموقع بين الوزارة والبلدية ينص على «استشارة» النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور من قبل الطرفين في كل ما يختص بالجوانب التقنية المتعلقة بمغارة جعيتا، يؤكد رئيس النادي أن «البلدية لم تبلغنا بالأمر، ولو تم إبلاغنا ما كنا لنقبل». المستشار في مجال تطوير وتسويق السياحة المستدامة عون أبي عون نبّه إلى «خطورة تسليع الطبيعة والمواقع التراثية في لبنان»، لافتاً إلى أن السياحة البيئية في لبنان «تحوّلت إلى سياحة جماعية Mass Tourism، وباتت عبارة عن تجارة تدر عوائد كبيرة، من دون أي تنظيم وتوجيه، فيما السياحة البيئية الفعلية مختلفة تماماً». وأشار إلى أن «الشركات السياحية الكبرى المتخصصة في مجال التسويق للسياحة البيئية لا ترسل سيّاحاً إلى أي مواقع إلا بعد التأكد من نوعية التجربة ومعايير السلامة. وللأسف لدينا مشكل في هذين الجانبين بشكل عام، ولذلك لسنا ضمن الوجهات التي تقترحها هذه الشركات».
فبعد إقفالٍ دام ثمانية أشهر، أعادت مغارة جعيتا فتح أبوابها أواخر تموز الماضي، بموجب اتفاقٍ «بالتراضي» بين وزارة السياحة وبلدية جعيتا، يخول الأخيرة «إدارة المرفق وتشغيله وصيانته مؤقتاً إلى حين إعداد دفتر شروطٍ للمزايدة لاختيار مستثمرٍ يتولى هذه المهمات». غير أنّ ثلاثة أشهر فقط كانت كافية لتحوّل هذا الاتفاق إلى فضيحة مدوّية، بعدما سمحت البلدية بإقامة سهرة زفاف داخل المغارة «من دون تقديم أي طلبٍ خطي لوزارة السياحة، ومن دون مشاركة أي من العقود أو ملخّص العائدات المالية للحدث، ومن دون التشاور مع النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور، كما يفرض العقد»، وفق بيان الوزارة.
وقبل الغوص في المخالفات القانونية، تجدر الإشارة إلى أن الحفل الصاخب كان يمكن أن ينقلب إلى مأساة. إذ يلفت رئيس النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور جوني طوق إلى أن «الممشى الذي كان يقف عليه عشرات المدعوين مثبّت بعواميد موضوعة في الحيطان، ولا يحتمل الرقص والنط»، وكان يمكن أن ينهار بمن عليه.
كذلك فإن الحد الأقصى لمعدلات ثاني أوكسيد الكربون CO2 المسموح بها هي ppm 5000، وفي حال تخطي هذا المعدل قد تحدث حالات اختناق أو فقدان للوعي. علماً أن معدلات ثاني أوكسيد الكربون في المغارة من دون زوار تصل إلى 2800 ppm، وترتفع مع وجود زوار إلى 4300 ppm، ولكن «ضمن جو هادئ. إذ إن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ترتفع في حالة الرقص والحركة الزائدة».
أما في ما يتعلق بتأثيرات الحفل على المغارة، فيلفت طوق إلى أن «الصوت يؤثر سلباً على المغارة وعلى الحيوانات التي تعيش داخلها من خفافيش وغيرها. كما إن الضجيج يؤدي إلى زعزعة الهوابط stalactites والصواعد Stalagmites. كذلك تتأثر هذه الأخيرة سلباً بارتفاع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون».
وزارة السياحة اكتفت في بيانها عقب انتشار الفضيحة بالإشارة إلى أنها «ستوّجه كتاب إنذار رسمياً إلى بلدية جعيتا، وتطلب التقيّد الكامل بالالتزامات التعاقدية والأخلاقية المتعلقة بإدارة وتشغيل مغارة جعيتا». إلا أن المسألة تتعدى مجرد الإنذار والجوانب الأخلاقية أو طلب التقيّد المستقبلي بموجبات العقد. فهنالك عقد موقّع بين البلدية وجهة خاصة (منظمي الحفل) مقابل بدل مادي بهدف إقامة حفل زفاف. وبالتالي فالمسألة تندرج في إطار قانون الشراء العام. وبحسب رئيس هيئة الشراء العام جان العلية، «كل عقد تبرمه البلدية في المبدأ كجهة شارية، ويترتب عليه نفقة أو إيراد يجب أن يخضع لقانون الشراء العام، لأن البلدية هي إحدى الجهات الخاضعة لهذا القانون». ولفت إلى أن «وزارة السياحة مرتبطة بعقد بالتراضي مع البلدية، وبحسب الوزارة فإن البلدية خالفت العقد. وبالتالي يمكن لوزارة السياحة طلب كافة المستندات، وأن ترتب نتائج قانونية في حال حصول مخالفة لبنود العقد. كما في إمكانها في حال ثبوت مخالفة لقانون الشراء العام أن تعلم النيابة العامة لديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام».
وفيما يشير بيان الوزارة إلى أن رئيس بلدية جعيتا وليد بارود «لم يقدم تفاصيل كاملة حول طبيعة النشاط ومضمونه»، قال بارود لـ«الأخبار» إنه لم يبلغ الوزارة خطياً، «لكنني أعلمت الوزيرة باتصالين قبل أسبوع من الحفل بالتفاصيل. حتى أنها اتصلت بي يوم الأحد لتستفسر عن عدد الحضور، وأنه بلغها أن العدد يقارب الـ 500 شخص وأن حفل كوكتيل سيقام في داخل المغارة. وأكدت لها أن العدد هو 120 شخصاً ولمدة 30 دقيقة فقط. وكان لديّ موعد مع المدير العام لوزارة السياحة لأقدم لها ملخصاً عن برنامج احتفالات عيد الميلاد الذي نجهزه، استناداً إلى تقييم الحفل. الجميع كان على علم!».
يقود ذلك إلى مفارقة مهمة. بيان الوزارة أشار إلى أن بلدية جعيتا هي من تتولى إدارة المغارة وتشغيلها وصيانتها، فيما يشير بارود إلى أن «البلدية تعاقدت بموجب اتفاق ثانوي مع شركة من الباطن لتشغيل وإدارة المرفق من دون استثماره، والدكتور العلية وافق على هذا التعاقد في حينه». وفي ما يتعلق بالحفل، فإن «الشركة المشغلة عقدت اتفاقاً مع منظمي الحفل وبالتالي لا ينطبق عليها قانون الشراء العام. أساساً في أصل التلزيم، لا ينطبق علينا الشراء العام بحسب المادتين 46 و47 من القانون». العلية من جهته، نفى «نفياً قاطعاً منح أي موافقة للبلدية للتعاقد مع شركة من الباطن، مؤكداً أن «على البلدية التقيد بمضمون العقد الموقّع بينها وبين وزارة السياحة، وما إذا كان يسمح لها بالتعاقد من الباطن، ولكن ضمن الحد المسموح به في العقد الأساسي. ولا يمكن لأحد أن يفلت من أحكام الشراء العام من خلال التعاقد من الباطن».ورغم أن العقد الموقع بين الوزارة والبلدية ينص على «استشارة» النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور من قبل الطرفين في كل ما يختص بالجوانب التقنية المتعلقة بمغارة جعيتا، يؤكد رئيس النادي أن «البلدية لم تبلغنا بالأمر، ولو تم إبلاغنا ما كنا لنقبل». المستشار في مجال تطوير وتسويق السياحة المستدامة عون أبي عون نبّه إلى «خطورة تسليع الطبيعة والمواقع التراثية في لبنان»، لافتاً إلى أن السياحة البيئية في لبنان «تحوّلت إلى سياحة جماعية Mass Tourism، وباتت عبارة عن تجارة تدر عوائد كبيرة، من دون أي تنظيم وتوجيه، فيما السياحة البيئية الفعلية مختلفة تماماً». وأشار إلى أن «الشركات السياحية الكبرى المتخصصة في مجال التسويق للسياحة البيئية لا ترسل سيّاحاً إلى أي مواقع إلا بعد التأكد من نوعية التجربة ومعايير السلامة. وللأسف لدينا مشكل في هذين الجانبين بشكل عام، ولذلك لسنا ضمن الوجهات التي تقترحها هذه الشركات».

