كلام جعجع جاء خلال العشاء السنوي لمنسقيّة زحلة، الذي أقامته في المقر العام للحزب في معراب، في حضور، النواب: ستريدا جعجع، جورج عقيص والياس اسطفان، الوزير السابق سليم وردة، النائب السابق طوني بو خاطر، رئيس بلدية زحلة – المعلقة وتعنايل سليم غزالة، عضو الهيئة التنفيذيّة ميشال تنوري، منسق المنطقة زحلة آلان منيّر، المنسقين السابقين: ميشال فتوش وطوني قاصوف، رئيس جمعية الصناعيين في البقاع نقولا ابو فيصل، أعضاء بلديّة زحلة، عدد من أعضاء المجلس المركزي في الحزب، أعضاء الهيئة الإداريّة في المنسقيّة، رؤساء مراكز القوّات في المنقطة، وعدد من الفاعليات السياسيّة، البلديّة، الاختياريّة، الاقتصاديّة، الصناعيّة ورجال الأعمال.
ولفت جعجع إلى أن “هذا الأسبوع شهد رسالةً وجّهها “حزب الله” إلى “الرؤساء الثلاثة”، آسفاً لبقاء هذا المصطلح. وقال: “في الدستور لدينا رئيسُ جمهوريّة، ولدينا رئيسُ حكومةٍ وحكومة، ولدينا مجلسٌ نيابيّ ورئيسُ مجلس؛ لا وجودَ لـ”رؤساء ثلاثة”. لكن—وللأسف—”قالوا يا عنتر مين عنترك؟ ردّ: عنترت وما حدا ردّني”، لعلّ اليوم هناك من يَردّه”.
وأوضح أن لديه ثلاث ملاحظات على الرسالة، وقال متوجهاً إلى “حزب الله”: “الملاحظة الأولى: لا يمكنك أن تقول “أريد أن أعتمد خيار المقاومة أو لا أعتمد هذا الخيار”. هذا ليس من شأنك. أنت تعيش في دولةٍ لها رئيسُ جمهوريّة—انتخبه نحو مئة نائب قبل قرابة عشرة أشهر—ولها حكومةٌ نالت الثقة مرّتَين من المجلس النيابي، ولها مجلسٌ نيابيّ انتخبته أنت كما انتخبه اللبنانيّون جميعًا. أي إن لدينا دولةً مكتملة الأوصاف. لا يمكنك أن تقول “أنا أريد أن أتمسّك بخيار المقاومة”. لا يمكنك أن تتمسّك بخيار شيء، وإلّا فـ”البلد فارط”. إمّا هناك دولة وإمّا لا دولة. إذا كان هناك دولة فهي التي تتّخذ هذه القرارات، وكانت قد أتخذت قرارًا بجمع السلاح داخلها، وبحصر قرار السلم والحرب فيها، ثمّ تعود وتقول لي “أنا أتمسّك بخيار المقاومة”!!! لا يمكنك أن تتمسّك بشيءٍ أنت، عدا عن أنّ خيار المقاومة الذي تمسّكتَ به رأينا إلى أين أوصلك وأوصل لبنان واللبنانيّين”.
وتابع: “الملاحظة الثانية: تقول إنّك “تقيّدتَ تقيّدًا تامًّا باتّفاق وقف إطلاق النار” المُبرَم منذ نحو سنة. وهذا خطأٌ صريح. فمقتضى ذلك الاتّفاق أن تَحُلّ تنظيماتَك العسكريّة والأمنيّة وأن تُسلَّم السلاح إلى الدولة. ماذا أنجزتَ من ذلك؟ سيرفع بعضُهم حجّة «إسرائيل واليهود»… صحيح، صحيح، ولكن البداية تكون بما علينا نحن فعله: كان من المفترض أن تَحُلّ نفسك عسكريًّا وأمنيًّا—ولم تفعل”.
واستطرد: “الملاحظة الثالثة: تزعم أنّنا، تحت ضغوطٍ أميركيّة وإسرائيليّة، نطالب بحلّ “المقاومة”. وهذا غير صحيح. نحن—قبل الأميركيّين والعرب والغرب والإسرائيليّين—نريد دولةً فعليّة. ولا تكون الدولة دولةً فعليّة إلّا بجمع السلاح في كنفها وحصرِ قرار السلم والحرب فيها”، لافتاً إلى أن “هذه بعض المغالطات الجوهريّة في رسالة “حزب الله” إلى “الرؤساء الثلاثة”، والتي كنتُ أتمنّى عليهم هُم الردَّ عليها بهذه المغالطات الحاصلة”.
أما بالنسبة للإنتخابات النيابيّة، فقد أوضح أنها بالنسبة لـ”القوّات” “ليست قصّة “نائب بالطالع أو نائب بالنازل”. الهدف—بكلّ صراحة—كلّما كبُر تكتّلُنا النيابيّ تعاظم أثرُنا في مسار الأحداث. لذا فـ«القوّات» ليست «مقعدًا» هنا أو «مكسبًا» هناك، بل ضرورةٌ لبلوغ الوطن الذي نريد. ومن هذا المنطلق تأتي أهمّيّة الاستحقاق النيابي”.
ورأى أن “نائبي زحلة، طبعًا، يعلمان أنّهما في القلب، ويعطيهما ألف عافية، فهما يحاولان القيام بواجبهما على أكمل وجه. لكن أودّ أن أقول كلمةً على هذا الصعيد: ثمّة خطأ يُرتكب—وقد يقع فيه بعضُ الناس، بل وقد يقع فيه بعضُ نوّابنا في زحلة أيضًا—وهو أن تسألوا نوّاب زحلة: ماذا فعلتم لزحلة؟ اسألوا بدلًا من ذلك: ماذا فعلت “القوّات” للبنان؟ نوّاب زحلة جزءٌ من هذه الحركة الكبرى التي تُسمّى “القوّات اللبنانيّة”، وجزءٌ أساسيّ من العمل الجاري يوميًّا في المجلس النيابي. فإن رأيتم أنّ “القوّات” لم تفعل شيئًا للبنان، فعندئذٍ—ومن باب أولى—قولوا إنّ نوّاب زحلة لم يفعلوا شيئًا لزحلة”.
وتوجّه إلى الحضور بالقول: “بكلّ صراحة وبساطة: إمّا تريدون نوّابًا تقليديّين، يضعون بجانبهم صندوقًا فيه “كمشة” أموال، مَن دخل إليهم مدّوا أيادهم وأعطوه، أو رافقوه إلى المخفر، أو قضَوا له خدمةً من هنا وأخرى من هناك؛ وإمّا تريدون نوّابًا يصنعون لكم وطنًا من جديد. أقولها الآن بكلّ وضوح، لأنّني أحيانًا ألمس ضغطًا يُمارَس على جورج عقيص وإلياس اسطفان، عنوانه: “ماذا فعلتما لنا؟”. لا يمكن محاسبة النائب الحزبيّ “بالمفرّق” كما يُحاسَب صاحبُ الحقيبة المملوءة مالًا يتصدّق بها على الناس. إمّا هذا النسق وإمّا ذاك. حاسبوا النائب الحزبيّ بالنظر إلى ما تفعله “القوّات” ككلّ—وهذا لا يعني أنّ من يقع في ورطةٍ أو مأزقٍ أو ضائقة لا نركض جميعًا لمساعدته قدر المستطاع وضمن القانون؛ بالعكس، كلّنا نهرع لأجله—لكن أن تُقاسَ حصيلةُ عمل النائب بعدد “الخدمات” أو بكمّية الأموال أو بتسهيل المعاملات، فذلك خطأٌ جسيم. وأعتقد أنّ آخر منطقة أحتاج فيها إلى قول هذا الكلام هي زحلة، لأنّ الوقائع أثبتت عكس تلك المقاربة”.
وتابع: “صراحةً، حين أتحدّث مع زحلة “بِتْبَشْلَل”، لأنّ بدايتها مسك ووسطها مسك وآخرها مسك. هذه تجربتي الشخصيّة: زحلة مسكٌ بمسكٍ كيفما أدرتها. كانت الأغنية تقول: “زحلة النجم الما بينطال”؛ كانت أغنية، أمّا في السنة الأخيرة فغدت واقعًا. قد تكونون عايشتم هذا الأمر وقد لا، لكنّي عشته عن كثب، لأنّكم تعلمون أنّني واكبتُ الانتخابات البلديّة في مختلف المناطق اللبنانيّة. تأكّدوا: النجم الساطع في تلك الانتخابات كان زحلة. وقد يستهين بعضكم بهذا الواقع، لكنّ أجمل ما في تلك المواجهة أنّكم خضتموها نظيفةً شفّافةً لامعة. “النجم الما بينطال” ظهر على حقيقته. في مواجهاتٍ أخرى قد يختلف الناس: ظهر—لم يظهر؛ أمّا هنا فقد رأيتُ بأمّ العين أنّ أناسًا لم يتابعوا بلديّات قراهم ومدنهم، بقدر ما تابعوا ما كان يجري في زحلة. وأؤكّد أنّ أكثر مرّةٍ انفردت فيها زحلة بإثبات حضورها على المستوى الوطني—وأستحضر هنا أولئك الذين “أكل عليهم الدهر وشرب وشبع” وكانوا يتحدثون عن “قرار زحلة” و”زحلة تقرّر”—كانت في هذه الانتخابات البلديّة، وبأشرف وسيلة: بالوسيلة الديمقراطيّة”.
وأوضح أن “سبب اهتمام اللبنانيّين بهذه الإنتخابات في الداخل—وحتّى في الاغتراب— لم يكن الأفراد أو اللوائح بحد ذاتها، بمعنى أنه لم يكن “فارِق معهم” أسعد زغيب، و”لا تواخذوني”، لا يعرفون أيضًا من هو سليم غزالة!—وطبعًا نكنّ لسليم كلّ التقدير وكلّ الوفاء وأنتم ترون ذاك—لكن اللبنانيّين لم يكونوا مهتمّين بمعركة زحلة من هذا المنطلق، كان الناس ينتظرون جوابًا واحدًا: هل حان الوقت في لبنان كي “يَصِحّ الصحيح” أم لم يحن بعد؟ وصَحّ الصحيح في زحلة”.
أما بالنسبة لكيف صَحّ الصحيح؟، فقال: “صَحّ في مواجهتهم جميعًا—وهنا “كلّن يعني كلّن”. الناس لم يكن يعنيها الاستحقاق البلدي كاستحقاق بلديّ؛ وإنما أرادت أن تعرف هل أصبح تيّارُ التغيير والتخطّي والشفافيّة والاستقامة قادرًا على مجابهة الآخرين أم لا، وخصوصًا أنّ الجميع—من جديد: “كلّن يعني كلّن”—تكتّلوا ضدّنا في زحلة. لقد تابع اللبنانيون المعركة لأنّهم معنيّون بهذه النقطة بالذات. والنتيجة: تبيّن للناس أنّ “القوّات أكتر منّن كلّن”. ومن البلديّات انتقلنا إلى الانتخابات الجامعيّة، فأكّدت القاعدة ذاتها مجدداً بأن الأوان قد آن لكي لا يَصِحّ إلّا الصحيح. وآخر الوقائع—أمس في جامعة NDU – الكورة— حيث خضناها على النظام النسبيّ فربحنا كامل المقاعد منفردين في مواجهة الجميع. وهكذا كانت زحلة البداية، بمعنى أنّ فيها صَحّ الصحيح، فغدت درسًا للبنان كلّه وامتد منها الصحيح ليشمل لبنان كله”.
وتوجّه إلى الزحليّين بالقول: “أهنّئكم كـ”زحالنة” مرّةً أخرى، وأقول أمرًا لم أقلْه لكم يومًا وكنتُ أردّده أمام كثيرين: أكثر منطقةٍ رأيتُ فيها رأيًا عامًا يُحاسب ويتابع ويراقب ويتصرّف على هذا الأساس هي زحلة. حين بدأنا نخوض انتخابات زحلة، كان بعضهم يثير قلقي بالقول: هناك مالٌ انتخابيّ كثير وشراء أصوات… ثمّ تبيّن لي أنّ زحلة هي المنطقة التي تصحّ فيها المقولة: “الناس تأخذ من كلّ الناس، لكن لا تصوّت إلّا كما تريد”. والآن، كما كانت زحلة “النجم الما بينطال” في البلديّات، أدعوكم أن تُعِدّوا العدّة لتكون “النجم الما بينطال” دائمًا في النيابيّة”.
وكان جعجع استهل كلمته بتحيّة الحضور قائلا: “في الحقيقة، يعجز المرء أحيانًا عن إيجاد الكلمات التي يقولها لأهل بيته؛ قد يجد ما يقوله للغرباء أو للمتخصّصين أو للوزراء أو للنوّاب، لكن حين يصل الكلام إلى الأهل تتعطّل لغة الكلام. قبل أن أبدأ بما أريد قوله، أوجّه تحيّةً وتقديرًا من القلب لمنسّقنا في زحلة ألان منير، ولفريق المنسّقيّة، ولرؤساء المراكز وجميع الشباب معهم؛ إذ لا يجوز أن ننسى لحظةً أنّ وجودنا هنا هو بفضل القواعد القوّاتيّة. فثروتُنا الأساسيّة، التي مكّنتنا ممّا نفعل، هي القاعدة القواتيّة بمعناها العريض. وأنا، في زحلة، على تواصلٍ دائم معها، في زمن الانتخابات وخارجَه. ومن هذا المنطلق، وبضميرٍ حيّ وروحٍ علميّة، أهنّئ المنسّق والمنسّقيّة ورؤساء المراكز”.

