تواصل القاهرة حشد الدعم لـ“مبادرتها”، لضبط الإيقاع بين بيروت وتل أبيب، التي دخلت مرحلة الاختبار الجدي، وسط سباق بين الديبلوماسية والنار، مع تسلم القاهرة الرد اللبناني الرسمي على المبادرة التي تقودها، بحسب أوساط ديبلوماسية متابعة، والتي اكدت ان “موقف بيروت لم يخرج كثيرا عن جوهر موقف “حزب الله”، كما ورد في رسالته إلى الرؤساء الثلاثة، أي رفض المفاوضات المباشرة والتمسك بإطار التفاوض المعتمد سابقاً، والذي ترى فيه القاهرة انعكاساً للانقسام اللبناني، بين من يعتبر التفاوض خطوة ضرورية لحماية لبنان من حرب مدمرة، ومن يرى فيها “فخًا إسرائيليًا” يراد منه انتزاع تنازلات سياسية ، تمهّد لتطبيع تدريجي“.
لكن اللافت، وفق الأوساط نفسها، هو حالة “الانزعاج الصامت” التي تسود الدوائر المصرية، نتيجة ما تصفه بـ”الجمود الخطير” في الموقف الإسرائيلي، وإصرار تل أبيب على فرض شكل المفاوضات وأهدافها مسبقاً، مستندة إلى دعم أميركي واضح لفكرة المفاوضات المباشرة، وهو ما يضع القاهرة في موقع دقيق بين محاولتها الحفاظ على توازن علاقتها مع واشنطن من جهة، وحساسيتها التاريخية تجاه استقرار لبنان من جهة أخرى.
في هذا السياق، تبدو مهمة القاهرة شبه مستحيلة: إقناع إسرائيل بالتراجع عن شرطها للحوار المباشر، وإقناع بيروت بأن أي انفتاح سياسي لا يعني بالضرورة خضوعاً. فبين تصلب المواقف وتشابك الحسابات الإقليمية، يبقى السؤال الأبرز: هل تنجح مصر في كبح الانفجار اللبناني – الإسرائيلي؟ أم أن الامور تتجه إلى اختبار جديد تتراجع فيه الديبلوماسية أمام منطق القوة؟
ووفق الاوساط الديبلوماسية: ” تربط الإدارة الأميركية أي جهد لفرملة التصعيد الإسرائيلي بخطوات لبنانية ملموسة على الأرض، في مقدمتها تنفيذ قرار الدولة بحصر السلاح، وفتح قنوات تفاوض مباشرة مع تل أبيب تحت عباءة واشنطن حصرًا، وهو ما وصل إلى عدد من المسؤولين اللبنانيين خلال الأيام الأخيرة، والذين وضعوا امام معادلة واضحة: “على بيروت أن تبدأ بالمسار الداخلي لضبط السلاح خارج الشرعية، مقابل أن تستخدم واشنطن نفوذها للضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها ولضبط النفس ميدانيا، وهي معادلة تعكس رغبة أميركية في تحويل الضغط العسكري الإسرائيلي، إلى أداة سياسية تسرع في إعادة هيكلة ميزان القوى الداخلي في لبنان، بما يخدم مشروع تسوية أمنية شاملة في المنطقة انجزت خرائطها“.
أما على صعيد مبادرة رئيس الجمهورية حول فتح باب التفاوض المباشر مع إسرائيل، فقد كشفت الاوساط نفسها أن “المعنيين بها غير متحمسين لها حتى اللحظة، وخصوصا واشنطن، التي تعتبر أن أي تفاوض يجب أن يكون ثمرة تفاهم داخلي لبناني مسبق، يحدد موقع الجيش ودور حزب الله في معادلة الردع، فالإدارة الأميركية لا تريد الدخول في مفاوضات، وسط انقسام لبناني حاد قد يفشل أي مسار ديبلوماسي محتمل“.
عليه، تختم المصادر ان “واشنطن تفضل فرض التغيير من داخل لبنان، لا من بوابة الحرب، لكنها في الوقت نفسه لا تمانع استمرار الضغط الإسرائيلي، ما دام يسهم في دفع بيروت نحو “قرارات صعبة”، تعتبرها ضرورية لقيام دولة موحدة السلاح”.

