11 نوفمبر 2025, الثلاثاء

لبنان الرابع عالميًا في معدّلات القلق… مواجهة مستمرة بين المواطنين والضغوط اليومية

Doc P 1440791 638984501305182074
قد يكون اللبنانيون قد اعتادوا رؤية بلدهم يتقدّم المراتب الأولى في المؤشرات السلبية، من التلوّث إلى التضخّم وارتفاع معدّلات الإصابة بالسرطان، رغم أنّ أبناءه لا يتوقفون عن رفع اسمه عاليًا بإنجازاتهم في مختلف المجالات.

غير أنّ المفارقة هذه المرّة جاءت من زاوية مختلفة، إذ أشار معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME)  إلى أنّ لبنان احتلّ المرتبة الرابعة عالميًا في معدّلات القلق  (Anxiety)، بعد كلٍّ من البرتغال، البرازيل والباراغواي، في تصنيف يعكس عمق الأعباء النفسية التي يرزح تحتها اللبنانيون، في بلدٍ بات فيه الشعور بالاستقرار رفاهية نادرة.

يبدأ اللبناني يومه مثقلًا بالهموم، يفتح عينيه على قلقٍ دائم من كيفية تأمين لقمة العيش لعائلته في ظلّ الغلاء المتزايد وأسعارٍ تتبدّل بلا مبرّر، رغم ثبات سعر صرف الدولار منذ أكثر من عامين، فيتجدّد شعوره بالعجز أمام جشع بعض التجّار الذين لا يعرفون حدودًا. 

وعندما يغادر منزله، يجد نفسه عالقًا في ازدحام مروري خانق في بلد يحتلّ المرتبة الخامسة عشرة عالميًا في الازدحام، ليصل إلى عمله متعبًا قبل أن يبدأ يومه الفعلي، فيواجه ضغوطًا جديدة بين الخوف من فقدان وظيفته أو من المطالبة بزيادةٍ على راتب لم يعد يكفي لتغطية الحاجات الأساسية. 

أما أصحاب المؤسسات الصغيرة، فيعيشون بدورهم تحت عبء القلق من تراجع المبيعات أو من عجزهم عن تسديد الفواتير.
أما عند الحديث عن الكهرباء، فحدّث ولا حرج، إذ تنقطع لساعات طويلة، والمولّدات الخاصة باتت تستنزف المداخيل. الإنترنت بطيء رغم كلفته المرتفعة، والمياه شحيحة يُضطرّ كثيرون إلى شرائها عبر الصهاريج في ظلّ غياب إدارة فعّالة للموارد.

كما أنّ المدارس الخاصة باتت عبئًا ثقيلًا، إذ تُربط تسليم بطاقات العلامات بتسديد الأقساط بالدولار “الفريش”، فيما تفتقر المدارس الرسمية إلى أبسط مقوّمات التعليم.

وحتى الجامعات، التي كانت بوّابة الأمل للشباب، تحوّلت إلى حلم صعب المنال مع ارتفاع أقساطها وانقطاع المنح. أما المحروقات فأصبحت بندًا أساسيًا في الميزانية الشهرية، وقارورة الغاز تُعامل كسلعة فاخرة.

أما النساء العاملات، اللاتي يشكّلن نحو 70% من المتزوّجات، فيواجهن قلقًا مضاعفًا بين مسؤوليات العمل وتربية الأبناء ومتابعة الشؤون المنزلية. ينعكس هذا الضغط على حياتهنّ النفسية والاجتماعية، ويخلق توترًا دائمًا داخل الأسرة المرهقة أصلًا من ضيق المعيشة.

ويُضاف إلى هذا القلق المعيشي، القلق الصحي، فالنظام الصحي في لبنان بات عاجزًا عن تأمين علاج بأسعار مقبولة، والمريض يواجه فاتورة طبية خيالية أو نقصًا في الدواء. المستشفيات تفرض الدفع المسبق، والصيدليات تعاني نقصًا في الأدوية المزمنة، ما يجعل أبسط وعكة صحية مصدر رعب لعائلة كاملة.

كما أنّ تلوّث الغذاء والمياه بسبب غياب الرقابة البيئية زاد من خطر الأمراض المزمنة، فيما تزداد نسب السرطان والحالات التنفسية بشكل مقلق نتيجة الانبعاثات والنفايات العشوائية.

ومن الجانب الاجتماعي، يعيش اللبناني حالة من القلق على المستقبل، إذ أصبحت الهجرة هدفًا وحلمًا لكثير من الشباب، تاركين خلفهم أسرًا مفككة وأهلًا يعيشون شعور الوحدة والفراغ.

كما تراجعت الثقة بالدولة ومؤسساتها، وبات الإحباط سمة عامة في ظلّ غياب العدالة والمساءلة.

العنف الأسري والاجتماعي ارتفع بشكل واضح، مع تزايد التوتر داخل البيوت وبين الأفراد، حتى العلاقات الإنسانية أصبحت متوترة بفعل الضغوط اليومية والخوف من الغد.
ولا يقف القلق عند هذا الحدود، بل يمتدّ إلى الأمان الشخصي، فبحسب تقرير لمؤسسة Gallup، يُعدّ لبنان من الدول العربية الأقل أمانًا ليلًا، حيث يخشى المواطن من السرقة أو الاعتداء أو الخطف.
وتُضاف إلى ذلك المخاوف الأمنية والسياسية المتكرّرة من اغتيالات واستهدافات واشتباكات مفاجئة، تجعل اللبناني يعيش في حالة ترقّب دائم لأي طارئ.

وسط هذا المشهد، يتحوّل القلق إلى جزءٍ من الهوية اليومية. لم يعد شعورًا عابرًا، بل نمط حياة يرافق اللبناني في نومه واستيقاظه ويومه. 

ومع ذلك، يظل في قلب هذا القلق ما يشبه العناد الإيجابي، إرادة الحياة التي تميّز اللبناني وتمنعه من الاستسلام. في كل بيت قصة صبر وصمود، وفي كل شارع شاب يسعى رغم الإحباط، وأمّ تعمل لتضمن مستقبل أبنائها، وأب يواصل جهده كي لا يفقد كرامته. فمتى ينظر المسؤولون بجدّية إلى معاناة المواطنون الّذين باتوا في مواجهة مستمرة مع الضغوط اليومية؟

المصدر: Lebanon24