وبحسب المركز، “مع أن كلمات عون لم تُشر صراحةً إلى المفاوضات المباشرة، فمن المرجح جدًا أن يسلك لبنان هذا المسار في نهاية المطاف. ففي أعقاب حرب 2023-2024 بين حزب الله وإسرائيل، يتعرض لبنان لضغوط متزايدة، من إسرائيل عسكريًا والولايات المتحدة دبلوماسيًا، للقبول بتنازلات اعتبرها سابقًا مرفوضة. ويتحمل حزب الله المسؤولية الأساسية عن هذا السيناريو بسبب تصرفاته منذ اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في تشرين الثاني 2024. ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار ينص على نزع سلاح كل الجماعات المسلحة غير الحكومية، بما في ذلك حزب الله، فإن الأخير رفض ذلك ويستمر في نقل ترسانته المتبقية بين مواقع مختلفة في لبنان وتهريب الأسلحة من سوريا، ويقول إن اتفاق نزع السلاح ينطبق فقط على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، ويتهم إسرائيل بانتهاك وقف إطلاق النار بشكل متكرر”.
وتابع المركز، “واصلت إسرائيل قصف مواقع وعناصر تابعة لحزب الله داخل لبنان منذ وقف إطلاق النار، كما ودعت الدولة اللبنانية إلى نزع سلاح حزب الله، ويُقال إنها تضغط عليها لتكون أكثر حزمًا في هذا الصدد. ومؤخرًا، صعّدت إسرائيل من لهجتها بشأن احتمال استئناف الحرب، وكذلك بشأن نطاق ووتيرة ضرباتها داخل لبنان. بالتوازي، صعّدت الولايات المتحدة الضغط الدبلوماسي على لبنان. وفي تصريحٍ حديثٍ للمبعوث الأميركي توم برّاك، وصف لبنان بأنه “دولة فاشلة”، بينما صرّحت نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، خلال زيارةٍ لها إلى بيروت مؤخرًا، بأنّ على الجيش اللبناني “الآن تنفيذ خطته بالكامل” لنزع سلاح حزب الله”.
وأضاف المركز، “تتمحور المفاوضات التي أشار إليها عون حول قضيتين رئيسيتين: ترسيم الحدود البرية للبنان مع إسرائيل، والتوسط في التوصل إلى اتفاقية أمنية بين البلدين. وفي الواقع، لم تُرسَم الحدود البرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل رسميًا. فقبل الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، كان من المتوقع على نطاق واسع بين السياسيين اللبنانيين الحاكمين أن يُحَلّ النزاع على الحدود البرية عبر مفاوضات غير مباشرة، على غرار عملية ترسيم الحدود البحرية. وفي عام 2022، وبعد سنوات من المفاوضات غير المباشرة المتقطعة، اتفق كل من لبنان وإسرائيل على اتفاق بوساطة الولايات المتحدة لإنهاء نزاع طويل الأمد حول حدودهما البحرية. لكن السياسيين من الأحزاب خارج المعسكر المؤيد لحزب الله بدأوا الآن بشكل متزايد في الدعوة إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وهو الأمر الذي كان في السابق من المحرمات على مستوى الطيف السياسي بأكمله”.
وبحسب المركز، “يشعر حزب الله بالتهديد من هذا الاحتمال لأنه يمهد الطريق لاتفاق سلام مستقبلي مع إسرائيل، والذي من شأنه أن يزيل مبرر وجوده المعلن. ورد الحزب على تصريح الرئيس عون بإصدار رسالة مفتوحة موجهة إلى القيادة اللبنانية رفض فيها نزع السلاح والمفاوضات المباشرة. وردّ رئيس الوزراء نواف سلام على رسالة حزب الله المفتوحة مؤكدًا احتكار الدولة لقرارات الحرب والسلم”.
وتابع المركز، “يستخدم حزب الله خطاب السيادة اللبنانية والدفاع الوطني في رفضه لنزع السلاح والانخراط. وفي آب، هدد أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الدولة اللبنانية بعدم التحرك ضده، لكنه يحتج من موقف ضعف. وفي الحقيقة، لم يعد لدى حزب الله الكثير من الأوراق التي يمكنه اللعب بها بسبب هزيمته العسكرية أمام إسرائيل وضعف داعمته طهران. وفي حين قد يحتفظ حزب الله بدعم أساسي في أجزاء من لبنان، يُقال إن بعض أنصاره يعترفون سرًا بشعورهم بالهزيمة. ومن شأن أي اتفاق أمني يتم التوصل إليه بوساطة مباشرة بين لبنان وإسرائيل أن يُقوّض حجة حزب الله بأن لبنان بحاجة إليه لحمايته من العدوان الإسرائيلي”.
وختم المركز، “يحاول حزب الله تصوير المفاوضات المباشرة على أنها تنازل غير مقبول من جانب الدولة اللبنانية، لكن تعنّته هو الذي دفع لبنان إلى القبول بثمن أكبر مقابل الاستقرار”.

