تقدّر نسبة البطالة اليوم بنحو 30%، لكن الخبراء يؤكدون أن الواقع قد يكون أكبر بكثير إذا ما احتسبنا “البطالة المقنّعة”، أي أولئك الذين يعملون بأجور متدنية لا تساوي قيمة مؤهلاتهم أو خبراتهم.
قد لا تكون ظاهرة الهجرة جديدة، لكنها اليوم أصبحت حالة جماعية. لم يعد الشاب اللبناني يفكّر بالهجرة لتحقيق حلم، بل ليهرب من واقع لا يقدّم حدًّا أدنى من الاستقرار. وهذا الاستنزاف البشري قد يكون أخطر من الانهيار المالي نفسه، لأن البلاد تخسر مع كل مهاجر فرصة مستقبلية لتطوير اقتصادها.
ففي السنوات الخمس الأخيرة، غادر مئات الآلاف من الشباب اللبناني البلاد، معظمهم من أصحاب الاختصاص والشهادات الجامعية، ما جعل لبنان يخسر نخبه في الطب والتمريض والهندسة والبرمجة والتعليم.
دولة غائبة واقتصاد معلّق
وفي هذا الاطار، تعتبر مصادر ان تراجع دور الدولة في معالجة الأزمة ليس تفصيلًا، فمنذ الانهيار الاقتصادي في العام 2019، أُقفلت المؤسسات الرسمية على مصالحها السياسية، وغابت أي استراتيجية وطنية لتوفير فرص عمل، أو دعم القطاعات الإنتاجية، أو إعادة بناء الثقة في البيئة الاقتصادية، في حين بات الاستثمار الأجنبي شبه معدوم، وتراجعت قدرة السوق الداخلي على استيعاب الشباب، خاصة في ظل إفلاس مؤسسات كبرى، وتراجع دور المصارف، وانكماش القطاع السياحي والزراعي والصناعي.
في مقابل هذا التقاعس الرسمي، برزت حركة ديناميكية في القطاع الخاص والجمعيات والمبادرات الريادية والتعليمية، حيث باتت بعض الجامعات تركز على المهارات الرقمية، في حين تعمل الشركات الناشئة في التكنولوجيا على توظيف لبنانيين للعمل عن بعد لأسواق عالمية، ما فتح بابًا واسعًا أمام الشباب للعمل لشركات خارج لبنان في مقابل رواتب خارجية، في محاولة للالتفاف على الواقع الاقتصادي الداخلي.
أما كيف يمكن معالجة هذه المشكلة، فيشير الخبراء الى وجود العديد النقاط التي من الضروري العمل عليها، ولعل ابرزها وضع خطة اقتصادية قائمة على الإنتاج بدل الريع، وإعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي، إضافة الى تشجيع الاستثمارات الخارجية، ودعم القطاعات الرقمية والتكنولوجية، وتطوير التعليم بما يتماشى مع سوق العمل.
كما من الضروري العمل على بناء شراكة فعلية بين الدولة والقطاع الخاص.
الشباب اللبناني لا يحتاج من يعلّمه كيف يحلم، بل من يحوّل حلمه إلى وطن ممكن. لبنان اليوم يقف على مفترق طرق، إمّا أن يُقيم نهضة سياسية واقتصادية قادرة على استعادة طاقات شبابه على أرضه، وإمّا ان يواصل دفع نخبه إلى المطارات… في رحلة بلا عودة.

