لا شكّ أنّ زيارة الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان إلى بيروت، على رأس وفد فني واقتصادي، شكّلت اللحظة التي انتظرها كثيرون: عودة الرياض إلى لبنان من الباب الذي يتقن اللبنانيون قراءته أكثر من غيره، أي باب الاقتصاد والتجارة والاستثمار، وهم الذين ينتظرون منذ أشهر مثل هذا التطور، كترجمة للانفتاح السعودي على العهد الجديد، خصوصًا بعد زيارتي رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام إلى الرياض.
لكنّ زيارة الأمير السعودي لا يمكن اختزالها بجدول أعمال اقتصادي. فهي تأتي على تقاطع مسارين: مسار تقني يتعلّق برفع الحظر عن الصادرات اللبنانية واستئناف الرحلات وفتح المجال أمام الاستثمارات، ولكن بالتوازي معه ثمّة أيضًا مسار سياسي – أمني عنوانه الأساس التزامات الدولة اللبنانية بعدم استخدام أراضيها للإضرار بأمن المملكة والخليج، ومكافحة تهريب المخدرات، وضبط دور القوى المسلحة خارج الشرعية.
بين هذين المسارين تتحرّك العلاقات اللبنانية-السعودية اليوم، حيث تبدي الرياض استعدادًا متدرّجًا لفتح هوامش جديدة أمام التعاون الاقتصادي، إذا نجح لبنان في ترجمة التزاماته على الأرض، من دون أن يعني ذلك بالضرورة إعادة تجارب الماضي من دون أيّ مراجعات، فهل يمكن القول إنّ زيارة الموفد السعودي تعيد وصل ما انقطع بين السعودية ولبنان، وهل تكون خطوة أولى على هذا الطريق مثلاً؟
عودة سعودية من بوابة الاقتصاد
يقول العارفون إنّ الرسالة الأولى التي حملتها الزيارة تمظهرت في السراي الحكومي، حيث تحدّث رئيس الحكومة نواف سلام بوضوح، خلال استقباله الموفد السعودي، عن “استئناف الصادرات اللبنانية إلى المملكة”، طالبًا من “كل الجهات المعنية” إزالة العقبات أمام عودة هذا الرافد الحيوي للاقتصاد اللبناني، علمًا أنّ طبيعة الوفد الذي يرافق الأمير يزيد تقول الكثير، فهو لجنة فنية متخصصة بملف رفع الحظر عن الصادرات الزراعية والصناعية اللبنانية.
وفيما يُحكى عن مباحثات حول إجراءات في مطار بيروت تمهيدًا لعودة رحلات الخطوط الجوية السعودية، في إشارة إلى احتمال عودة السياحة الخليجية تدريجيًا إلى لبنان إذا استقرّ المسار الأمني، يحضر على طاولة البحث أيضًا مؤتمر “بيروت 1” الذي يريده لبنان فرصة لتسويق “نافذة أمل” جديدة أمام المستثمرين، فيما لا يُستبعَد أن تحوّله دول الخليج إلى اختبار لمدى قدرة السلطة الجديدة في بيروت على إدارة مرحلة إصلاح واستقرار، بعد سنوات من الانهيار المالي.
بهذا المعنى، يمكن النظر إلى زيارة بن فرحان كجزء من حزمة متدرجة، فهي إعلان سعودي عن نية تعزيز العلاقات التجارية مع لبنان، بدليل إرسال وفد فني للبحث في إزالة العوائق أمام الصادرات، والمشاركة في مؤتمر استثماري واسع، وتكثيف الحضور الدبلوماسي. بمعنى آخر، هي تعيد رسم حضور المملكة في بيروت، لكن ضمن معادلة جديدة لا تشبه المرحلة السابقة، ومعاييرها لا تزال قيد التبلور وفق ما يقول بعض المطّلعين.
ما الذي تغيّر؟
إلى جانب الأبعاد الاقتصادية والتجارية للزيارة، تحضر السياسة على خطّها، خصوصًا أنّ ما سُمّي بالانكفاء السعودي عن لبنان في مرحلة ما، كان بسبب مجموعة من العوامل والتراكمات، بينها موقف “حزب الله” منها، وموقف الحكومة منه، ولكن بينها أيضًا ملفات أخرى من نوع تهريب المخدرات، والسلطة على الحدود والمرافئ وغيرها. فما الذي تغيّر على هذا الخط، وهل عدّلت الرياض جوهر مقاربتها للبنان؟
تدلّ كلّ المؤشّرات على أنّ الموقف السعودي لم يتغيّر، بدليل حرص المسؤولين اللبنانيين على “طمأنتها” في هذه الملفات تحديدًا، حتى إنّ رئيس الحكومة نواف سلام استغل اللقاء مع الوفد السعودي لتجديد هذا التعهّد علنًا، واضعًا الملف في سياق “مسار إصلاحي شامل” تقول الحكومة إنها تعمل على تكريسه، من خلال تعزيز الرقابة على المعابر، والتشدد في ملاحقة شبكات تهريب الكبتاغون، وتوسيع هامش سيطرة الأجهزة الشرعية في الداخل وعلى الحدود.
تبقى نقطة النزاع الأساسية، وتحديدًا سلاح “حزب الله” ودوره الإقليمي، حتى لو لم يُطرَح مثل هذا العنوان بشكل مباشر، إذ إن القاصي والداني يدرك أنّ الحزب كان سبب الخلاف الأساسي في مرحلة من المراحل. لكن هنا تبقى الأمور “مطّاطة” إن صحّ التعبير، ولعلّ هذا ما يفسّر التأخر السعودي في ترجمة الانفتاح على العهد، بانتظار ترجمة مبدأ “حصر السلاح بيد الدولة”، علمًا أنّ الحزب سبق أن أطلق ما وُصِف بالمبادرة إزاء الرياض، من باب التهدئة.
في الشكل إذًا، يحمل وصول الأمير يزيد بن فرحان على رأس وفد اقتصادي–فني رسالة واضحة مفادها أنّ السعودية مستعدة لمساعدة لبنان، شرط أن يترجم مسار الإصلاح بالسياسة والأمن كما في الاقتصاد. أما في المضمون فيمكن قراءة الزيارة بوصفها اختبارًا مزدوجًا لقدرة العهد والحكومة على ضبط الفوضى التي طبعت السنوات الماضية، ولكن أيضًا لمدى استعداد القوى السياسية لإعادة التموضع باتجاه الحضن العربي. وبناءً على ذلك فقط، يتّضح إن كانت الزيارة الحالية ستتحوّل إلى مسار مستدام أم تبقى محطة عابرة في روزنامة مزدحمة بالموفدين والوعود.
لكنّ زيارة الأمير السعودي لا يمكن اختزالها بجدول أعمال اقتصادي. فهي تأتي على تقاطع مسارين: مسار تقني يتعلّق برفع الحظر عن الصادرات اللبنانية واستئناف الرحلات وفتح المجال أمام الاستثمارات، ولكن بالتوازي معه ثمّة أيضًا مسار سياسي – أمني عنوانه الأساس التزامات الدولة اللبنانية بعدم استخدام أراضيها للإضرار بأمن المملكة والخليج، ومكافحة تهريب المخدرات، وضبط دور القوى المسلحة خارج الشرعية.
بين هذين المسارين تتحرّك العلاقات اللبنانية-السعودية اليوم، حيث تبدي الرياض استعدادًا متدرّجًا لفتح هوامش جديدة أمام التعاون الاقتصادي، إذا نجح لبنان في ترجمة التزاماته على الأرض، من دون أن يعني ذلك بالضرورة إعادة تجارب الماضي من دون أيّ مراجعات، فهل يمكن القول إنّ زيارة الموفد السعودي تعيد وصل ما انقطع بين السعودية ولبنان، وهل تكون خطوة أولى على هذا الطريق مثلاً؟
عودة سعودية من بوابة الاقتصاد
يقول العارفون إنّ الرسالة الأولى التي حملتها الزيارة تمظهرت في السراي الحكومي، حيث تحدّث رئيس الحكومة نواف سلام بوضوح، خلال استقباله الموفد السعودي، عن “استئناف الصادرات اللبنانية إلى المملكة”، طالبًا من “كل الجهات المعنية” إزالة العقبات أمام عودة هذا الرافد الحيوي للاقتصاد اللبناني، علمًا أنّ طبيعة الوفد الذي يرافق الأمير يزيد تقول الكثير، فهو لجنة فنية متخصصة بملف رفع الحظر عن الصادرات الزراعية والصناعية اللبنانية.
وفيما يُحكى عن مباحثات حول إجراءات في مطار بيروت تمهيدًا لعودة رحلات الخطوط الجوية السعودية، في إشارة إلى احتمال عودة السياحة الخليجية تدريجيًا إلى لبنان إذا استقرّ المسار الأمني، يحضر على طاولة البحث أيضًا مؤتمر “بيروت 1” الذي يريده لبنان فرصة لتسويق “نافذة أمل” جديدة أمام المستثمرين، فيما لا يُستبعَد أن تحوّله دول الخليج إلى اختبار لمدى قدرة السلطة الجديدة في بيروت على إدارة مرحلة إصلاح واستقرار، بعد سنوات من الانهيار المالي.
بهذا المعنى، يمكن النظر إلى زيارة بن فرحان كجزء من حزمة متدرجة، فهي إعلان سعودي عن نية تعزيز العلاقات التجارية مع لبنان، بدليل إرسال وفد فني للبحث في إزالة العوائق أمام الصادرات، والمشاركة في مؤتمر استثماري واسع، وتكثيف الحضور الدبلوماسي. بمعنى آخر، هي تعيد رسم حضور المملكة في بيروت، لكن ضمن معادلة جديدة لا تشبه المرحلة السابقة، ومعاييرها لا تزال قيد التبلور وفق ما يقول بعض المطّلعين.
ما الذي تغيّر؟
إلى جانب الأبعاد الاقتصادية والتجارية للزيارة، تحضر السياسة على خطّها، خصوصًا أنّ ما سُمّي بالانكفاء السعودي عن لبنان في مرحلة ما، كان بسبب مجموعة من العوامل والتراكمات، بينها موقف “حزب الله” منها، وموقف الحكومة منه، ولكن بينها أيضًا ملفات أخرى من نوع تهريب المخدرات، والسلطة على الحدود والمرافئ وغيرها. فما الذي تغيّر على هذا الخط، وهل عدّلت الرياض جوهر مقاربتها للبنان؟
تدلّ كلّ المؤشّرات على أنّ الموقف السعودي لم يتغيّر، بدليل حرص المسؤولين اللبنانيين على “طمأنتها” في هذه الملفات تحديدًا، حتى إنّ رئيس الحكومة نواف سلام استغل اللقاء مع الوفد السعودي لتجديد هذا التعهّد علنًا، واضعًا الملف في سياق “مسار إصلاحي شامل” تقول الحكومة إنها تعمل على تكريسه، من خلال تعزيز الرقابة على المعابر، والتشدد في ملاحقة شبكات تهريب الكبتاغون، وتوسيع هامش سيطرة الأجهزة الشرعية في الداخل وعلى الحدود.
تبقى نقطة النزاع الأساسية، وتحديدًا سلاح “حزب الله” ودوره الإقليمي، حتى لو لم يُطرَح مثل هذا العنوان بشكل مباشر، إذ إن القاصي والداني يدرك أنّ الحزب كان سبب الخلاف الأساسي في مرحلة من المراحل. لكن هنا تبقى الأمور “مطّاطة” إن صحّ التعبير، ولعلّ هذا ما يفسّر التأخر السعودي في ترجمة الانفتاح على العهد، بانتظار ترجمة مبدأ “حصر السلاح بيد الدولة”، علمًا أنّ الحزب سبق أن أطلق ما وُصِف بالمبادرة إزاء الرياض، من باب التهدئة.
في الشكل إذًا، يحمل وصول الأمير يزيد بن فرحان على رأس وفد اقتصادي–فني رسالة واضحة مفادها أنّ السعودية مستعدة لمساعدة لبنان، شرط أن يترجم مسار الإصلاح بالسياسة والأمن كما في الاقتصاد. أما في المضمون فيمكن قراءة الزيارة بوصفها اختبارًا مزدوجًا لقدرة العهد والحكومة على ضبط الفوضى التي طبعت السنوات الماضية، ولكن أيضًا لمدى استعداد القوى السياسية لإعادة التموضع باتجاه الحضن العربي. وبناءً على ذلك فقط، يتّضح إن كانت الزيارة الحالية ستتحوّل إلى مسار مستدام أم تبقى محطة عابرة في روزنامة مزدحمة بالموفدين والوعود.

