كتب طوني عيسى في” الجمهورية”: كما أنّه مدرَّب على التسلّل عسكرياً خلال المعارك، تسلّل «الحزب» ببراعة في قلب «اقتصاد الكاش» السائد في لبنان واستخدم لهذه الغاية مجموعة من الشبكات المعقّدة، مستغلاً ضعف الرقابة أو ربما تعاون بعض الدول، وهذا الاختراق الكبير للشبكة المالية هو ما يدفع واشنطن حالياً إلى تصعيد الضغط على السلطات اللبنانية، وهذا الأمر قابله «الحزب» بتصعيد نوعي، فأبلغ إلى الجميع أنّ كل محاولة للمسّ ب «القرض الحسن» أو عرقلة شبكاته المالية الأخرى سيدافع عنها حتى الرمق الأخير، تماماً كما يدافع عن السلاح.
بهذا التحول انتقل «الحزب» بالتهديد من السلطة السياسية والجيش في شأن نزع السلاح إلى مصرف لبنان والسلطة المالية والاقتصادية في شأن قطع الإمدادات المالية، وبذلك تحولت المواجهة من معركة سياسية وأمنية إلى حرب اقتصادية مفتوحة تدور رحاها في كواليس أسواق الصرافة، ومكاتب «القرض الحسن» وأروقة مصرف لبنان ووزارة المال. في هذه الأجواء، سيخوض «حزب الله» معركته «انتحارياً» بالمال كما بالسلاح، لأنّها فعلاً معركة مصير، وسيجهد للحفاظ على خرائط الطرق السرّية، وبصفته كياناً غير رسمي يمتلك بنية تحتية مالية وعسكرية معقّدة وقدرة فائقة على التكيّف مع الضغوط، فإنّه قادر على اعتماد استراتيجية مزدوجة للحفاظ على تدفقات المال والسلاح، وسيتمّ تقسيم المبالغ الكبيرة ونقلها عبر شبكات فردية عبر الحدود البرية والجوية مع دول متعاونة أو ذات رقابة ضعيفة، لتفادي كشف التحويلات بمبالغ ضخمة، وكذلك سيتمّ التركيز على الذهب كبديل من العملة، إذ يمكن شحنه وتذويبه وإعادة صياغته بسهولة أكبر من تحويل العملات عبر النظام المصرفي، وكذلك سيستخدم «الحزب» شبكة الصرافين المرتبطة به والتي تعمل خارج الإطار الرقابي لمصرف لبنان لتنفيذ عمليات «الحوالة» وتحويل الأموال من لبنان وإليه، ولكن في الخضم يبقى «القرض الحسن» هو البنك المركزي الموازي، وسيتمّ تشديد الدفاع عنه وحمايته من أي محاولة إغلاق أو تجميد للأصول. في جبهة السلاح والإمدادات، يتوخّى «الحزب» هنا استمرار الترانزيت عبر سوريا على رغم الصعوبات المتزايدة، وكذلك استخدام الشحن البحري «المقنّع» عبر شركات واجهة أو سفن تجارية صغيرة غير مشبوهة تنقل قطعاً مفككة أو مواد أولية يمكن تجميعها وتصنيعها محلياً، أي التركيز على نقل التكنولوجيا والمكونات الأساسية بدلاً من الأسلحة الجاهزة، وهذا يتيح لحزب الله تجميع بعض الذخائر والصواريخ قصيرة المدى محلياً مثل الطائرات المسيّرة أو أجزاء الصواريخ أو تصنيعها، ما يقلّل الاعتماد على الإمدادات المستمرة من الخارج ويصعّب عملية الكشف والتدمير، وكذلك المضي في تخزين الأسلحة والمعدات في منشآت تحت الأرض أو فوقها.